حكومة الوفاق تحشد المرتزقة بانتظار ضوء أخضر تركي للتصعيد وتعميق الفوضى.
تعكس تحذيرات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن من تفاقم الأزمة في ليبيا والتسبب في المزيد من الخسائر، فشل الرهان التركي على فرض تسوية سياسية تنقذ الميليشيات الإسلامية المحاصرة في العاصمة طرابلس، في وقت فوضت قبائل ليبيا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر مسؤولية تحرير العاصمة والذود عن السيادة الوطنية.
طرابلس - بات القلق يساور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الرهان على فرض سياسة أمر واقع في ليبيا تقلب المعادلة لصالح حلفائه في حكومة الوفاق المحاصرة في العاصمة طرابلس والمتحكمة في ثروات الشعب الليبي.
وأمام فشل هذا السيناريو، انتقلت أنقرة إلى الرهان على تعميق الفوضى علّها تخلق واقعا مغايرا وتطيل حكم أذرعها الإسلامية وسيطرتها على حركة الأموال، وهو ما عبر عنه الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قائلا “من الواضح أن الأزمة في ليبيا ستتفاقم وتتسبب في المزيد من الخسائر”.
وتريد أنقرة من خلال التصعيد إعادة الزخم للمحادثات العسكرية والسياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والتي فشلت في تحقيق نتائج تذكر، لكن بشروط حكومة الوفاق المعترضة على بند مراقبة تزويدها بالسلاح، وهو بند يدعمه المشير خليفة حفتر كما يدعم أي تسوية سياسية بعيدة عن استباحة السيادة الوطنية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إن تركيا “تقدم التدريب العسكري والخدمات الاستشارية لحكومة الوفاق في إطار الاتفاق المبرم بينهما”، محذراً من تفاقم الأزمة في ليبيا ما لم يتخذ المجتمع الدولي موقفاً سريعا.
وبدأت قوات الجيش الليبي عملية عسكرية في أبريل الماضي لتحرير طرابلس من سطوة الميليشيات التي أوقعت العاصمة في فوضى أمنية.
وزاد التدخل التركي في تصعيد التوتر في طرابلس إذ عمدت أنقرة إلى تقديم الدعم العسكري للميليشيات المساندة لحكومة الوفاق من خلال توفير الأسلحة والمقاتلين المرسلين من سوريا من أجل تجنب خسارة المعركة أمام قوات الجيش الليبي التي تحاصر هذه الميليشيات منذ أشهر.
ومثّل إرسال المرتزقة إلى ليبيا خرقا لتعهدات مؤتمر برلين وتأكيدا على استمرار التدخلات الأجنبية في ليبيا رغم إدانة القوى الإقليمية والدولية لهذه الممارسات وخطورتها على أمن واستقرار البلد.
وكشف تقرير صادر عن وكالة الأنباء “أسوشيتد برس” أن تركيا أرسلت أكثر من 4 آلاف مسلح أجنبي إلى طرابلس، وأن العشرات منهم ينتمون إلى تنظيمات متطرفة، للمشاركة في الحرب هناك.
ووفق الوكالة واستنادا إلى مصادرها من قادة الميليشيات الليبية والمرصد السوري لحقوق الإنسان أرسلت تركيا سوريين ينتمون إلى تنظيمات مصنفة “إرهابية” من عدد من الدول والمنظمات الدولية، ومن بينها تنظيما القاعدة وداعش، إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجود 130 مسلحا على الأقل ينتمون إلى تنظيم داعش أو القاعدة من بين قرابة 4700 مرتزق سوري تدعمهم تركيا للقتال مع حكومة فايز السراج.
وقال الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن “الساعات القادمة ستكون ساخنة جدًا في جميع قطاعات العمليات في المنطقة العسكرية الغربية”، لافتًا إلى أن تلك المنطقة تشهد “تحشيدًا” من قبل القوات التابعة لحكومة الوفاق لـ”القيام بعمل كبير” ضد قوات القيادة العامة.
ولفت المسماري إلى أن قوات القيادة العامة “نفذت عدة عمليات عسكرية استباقية” في مناطق جنوب شرق غريان والهيرة والعزيزية خلال الفترة الماضية لـ”منع القوات التابعة لحكومة الوفاق من استغلال حالة الهدنة”.
وبخصوص استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة، قال المسماري “سلامة دخل الأزمة الليبية من الباب الخطأ فسقط في الهاوية”.
وتواصل حكومة الوفاق توتير الأوضاع داخل ليبيا من خلال مصادرتها لمرتبات الموظفين، متعللة بتراجع مداخيل البلاد النفطية بسبب إغلاق القبائل الليبية لمواقع النفط، لكن هذا الإغلاق لا يؤثر على ضخ الأموال في البنك المركزي التركي لمواصلة الإنفاق على جلب السلاح والمرتزقة.
وسارعت حكومة الوفاق في طرابلس إلى نجدة الليرة التركية المتهاوية من خلال ضخ أربعة مليارات دولار في خزينة المصرف المركزي التركي، متجاهلة الأزمة الاقتصادية التي قد تواجهها نتيجة استمرار إقفال الحقول والموانئ النفطية.
ويعتبر إغلاق الحقول والمنشآت النفطية أخطر ضربة توجه لسلطات طرابلس منذ العام 2011 ، خصوصا وأنها ناتجة عن حراك شعبي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج والتصدير، والتي تتهم حكومة فايز السراج والأجهزة الخاضعة لها بتبديد إيرادات النفط في استجلاب المرتزقة وتهريب السلاح وتمويل الميليشيات وأمراء الحرب في محاولتها التصدي لتقدم الجيش الوطني الليبي، الذي يتشكل في أغلبه من أبناء تلك القبائل.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريرا يؤكد توقيع مقاتلين سوريين لعقود من أجل القتال في طرابلس مقابل مرتبات تصل إلى حوالي 2000 دولار شهريا تدفعها حكومة الوفاق.
ووضعت القبائل الليبية خمسة شروط لإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية، وهي إسقاط الاعتراف بحكومة فايز السراج، وتغيير رئيس المصرف المركزي، ومدير المؤسسة الوطنية للنفط، وتشكيل حكومة تسيير أعمال، وكذلك التوزيع العادل للثروة، من خلال تقسيمها إلى 4 أقاليم.
ويرى مراقبون أن سحب الاعتراف الدولي بحكومة السراج المنبثقة عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 يمثل الشرط الأهم الذي يتفق عليه مجلس النواب والقيادة العامة للجيش والقبائل وعدد من الدول الإقليمية والدولية التي ترى أن تلك الحكومة أصبحت جزءا من المشكلة ولا يمكن أن تتحول الى جزء من الحل بسبب تبعيتها للأتراك واستقوائها بالميليشيات والمرتزقة والجماعات الإرهابية وتبديدها للثروة الوطنية.
وينظر المحللون السياسيون إلى غلق الحقول والمنشآت النفطية على أنه يضع العالم أمام الحقيقة التي كان يتجاهلها وهي ضيق مجال التأثير الفعلي لحكومة السراج على الأرض مقابل سيطرة الجيش الوطني على أكثر من 90 في المئة منها، وبالتالي فإن الميزة الوحيدة للحكومة المعزولة في طرابلس هي التصرف في إيرادات الثروة الموجودة خارج سيطرتها من خلال مؤسسة النفط والمصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي.