نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا للباحث في جامعة لندن الدكتور فواز جرجس، يقول فيه إن هناك أسئلة مهمة حول المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة ضد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يطرحها أحد، بالرغم من كثرة ما كتب حول هذه المحاولة.
ويقول جرجس: “لو نجح الانقلاب لكانت تداعياته زلزالا لتركيا وللشرق الأوسط ولأمن الغرب، خاصة حلف شمال الأطلسي، فحتى المعارضون الأشداء لأردوغان، بمن فيهم العلمانيون والأكراد، كانوا معارضين بشدة للانقلاب؛ خوفا من الفوضى وعدم الاستقرار، اللذين سيحلان في تركيا وفي المنطقة، وليست لدى الشعب التركي ذكريات جميلة لأربع مرات سابقة تدخل فيها الجيش بالسياسة، في أعوام 1960، و1971، و1980، و1997، حيث إن آثارها كانت ثقيلة على الدولة والمجتمع”.
ويضيف الكاتب أنه “لو نجح الانقلاب فإن الجيش غالبا ما كان سيعلق العملية الديمقراطية، ويقمع أردوغان وحلفاءه قمعا شديدا، ويدفع البلاد إلى حرب أهلية، ولكانت الخلافات العميقة بين الجيش التركي، الذي يعتقد أن مهمته حماية الدولة العلمانية، وأردوغان وحزبه ذي الجذور الإسلامية المعتدلة، ستؤدي إلى حرب شاملة، ولوجد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في العراق وسوريا أرضا خصبة في منطقة صراع جديدة، ولكان عدم الاستقرار السياسي في تركيا هدية لجهاديي تنظيم الدولة”.
ويتابع جرجس بأنه “حيث أن لتركيا دورا مفصليا في الصراعات في سوريا والعراق، وبصفتها شريكا للتحالف الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم الدولة، فإن انحدار تركيا نحو المجهول كان سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وكانت عودة الجيش التركي للسياسة ستفرح الرجلين القويين في سوريا ومصر، ومعارضي الحكومات الإسلامية في المنطقة وخارجها”.
ويشير التقرير، إلى أن سقوط أردوغان كان سيشكل ضربة قاضية للثوار السوريين، الذين يعتمدون على تركيا في السلاح والمال، لافتا إلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد سيكون سعيدا لو أطاح الجنرالات بعدوه اللدود أردوغان، ما يرجح كفة الميزان لصالحه.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم أن حكومة أردوغان انضمت قريبا للتحالف ضد تنظيم الدولة في سوريا، إلا أن الدور التركي ضروري؛ بسبب قربها من مسرح العمليات، كما اعترف بذلك المسؤولون الأمريكيون.
ويلفت الكاتب إلى أن الفوضى في تركيا ستضع حدا في الغالب لمشاركة البلاد في الحرب لطرد تنظيم الدولة من الرقة، عاصمة التنظيم الفعلية، التي تعد أيضا قاعدة لتخطيط الهجمات في أنحاء العالم كله، مشيرا إلى أن الأهم من ذلك هو أن اللاجئين السوريين، الذين يصل عددهم إلى 2.7 مليون شخص، سيكونون الضحية الأولى للانقلاب، وربما كان الجنرالات سيعقدون صفقة مع الأسد، ويعيدون اللاجئين إلى سوريا.
ويفيد التقرير بأنه لو نجح الانقلاب فإن إدارة أوباما ستجد من الصعب التعاون مع نظام عسكري قام بالانقلاب على حكومة منتخبة في أنقرة، خاصة في حصن من حصون الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ويحتوي على ثاني أكبر جيش في الحلف بعد الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى أنه سيتم تعليق عضوية تركيا في الحلف، لافتا إلى أنه قرار يحمل تداعيات استراتيجية للتحالف الأمني الغربي.
وتجد الصحيفة أنه لهذه الأسباب كلها، وضعت أحزاب المعارضة خلافاتها الكبيرة مع أردوغان جانبا، وأيدت بالكامل مؤسسات الحكومة الديمقراطية، مستدركة بأنه رغم أن الانقلاب كشف عن خطوط الصدع في هذه الديمقراطية المسلمة، إلا أن الشعب التف حول الدستور والشرعية والفصل بين السلطات.
ويرى جرجس أنه “كان بإمكان أردوغان استخدام هذه اللحظة التاريخية لتكون عاملا مساعدا في تحقيق مصالحة وطنية، ويوقف تآكل الديمقراطية، حيث أبدى أعداؤه السياسيون الأكراد والعلمانيون جرأة أخلاقية، ومسؤولية مدنية، والتزاما بحكم القانون، لكن للأسف، يبدو أن أردوغان تعلم الدروس الخاطئة من الانقلاب، وعدّها (هدية ربانية) لأجل (تنظيف الجيش)، وقام الرئيس في الأيام القليلة الماضية بإطلاق ما يبدو أنه انقلاب مضاد (لتنظيف المؤسسات الحكومية) ممن يعدون غير موالين له”.
وينوه التقرير إلى أنه تم اعتقال أو فصل أو توقيف عمل أكثر من 50 ألف شخص، بما في ذلك قضاة ومدعون وأساتذة وعمداء جامعات وصحافيون، بالإضافة إلى أن هناك حوالي 15200 موظف تعليم حكومي، و21 ألف مدرس في القطاع الخاص تم توقيفهم عن العمل، ويتم التحقيق في علاقاتهم برجل الدين التركي فتح الله غولن، المنافس اللدود لأردوغان، والمتهم بالوقوف خلف الانقلاب الفاشل، دون وجود أدلة قاطعة.
وبحسب الصحيفة، فإن “نطاق التطهير يتسبب بقلق في تركيا وفي العواصم الغربية، مع أن حكومة أردوغان رفضت التحذيرات، وهددت بإعادة عقوبة الإعدام، فبدلا من الاستهداء بحكم القانون وروح العدالة، يبدو أن ما يحرك أردوغان هو الخوف، والانتقام، والرغبة في تركيز السلطة في يده، وسيتسبب فعله وخطابه الشعبوي بزيادة الاستقطاب والانقسام في تركيا”.
ويذهب الكاتب إلى أنه “لو نجح الانقلاب لانحدرت تركيا إلى فترة طويلة من الفوضى، لكن فشله يهدد بتآكل الديمقراطية في البلد، وهذه مأساة لا يزال بالإمكان تجنبها، ويعتمد ذلك على أردوغان، الذي زادت شعبيته بعد الانقلاب لإثباته القيادة وبعد النظر”.
وتخلص “الغارديان” إلى القول إن “المؤشرات ليست مشجعة، بعد أن أعلن أردوغان حالة طوارئ لمدة ثلاثة شهور، تعطيه سلطات إضافية ليلاحق أعداءه الحقيقيين والمفترضين”.
