نجاحات المغرب الدبلوماسية والسياسية خلال الأعوام الماضية وأبرزها اعتراف الولايات المتحدة وعدد من الدول الخليجية بمغربية الصحراء، أربكت الحسابات السياسية الجزائرية.
الجزائر – وصفت أوساط سياسية مغاربية قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بأنه “محاولة للهروب إلى الأمام” بدل الأخذ بعين الاعتبار مبادرة الرباط لإنهاء التوتر وبدء صفحة جديدة.
ولفتت المصادر إلى أن الجزائر ترفض استيعاب المتغيرات الإقليمية وتصر على التعامل مع ملف الصحراء المغربية كما كانت تتعامل معه قبل عقود.
وأضافت “الجزائر بدأت سياسة الهروب إلى الأمام منذ رفض الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء في ديسمبر الماضي وصولا إلى اتهامات دون أدلة للمغرب بإشعال الحرائق في منطقة القبائل”.
ويقول مراقبون إن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لا يجد ما يقدمه تبريرا لإخفاق جهاز الدولة والجيش غير نظرية المؤامرة التي لم يتمكن من تجاوزها، خاصة وأن الحرائق اشتعلت في أكثر من بلد متوسطي حيث عانت تركيا واليونان ولبنان وتونس من الظاهرة التي يرجح أنها مرتبطة بتغير المناخ.
وراكم المغرب نجاحات دبلوماسية وسياسية خلال الأعوام الماضية كان آخرها اعتراف الولايات المتحدة وعدد من الدول الخليجية بمغربية الصحراء، وهو الأمر الذي أربك الحسابات السياسية الجزائرية. وأعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الثلاثاء عن قرار بلاده قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.
وقال المحلل السياسي اللبناني خيرالله خيرالله “تندرج الخطوة الجزائرية في سياق طبيعي اعتمده النظام الذي يعتقد أن التصعيد مع المغرب يمكن أن يساعده في تجاوز أزمته الداخلية العميقة”.
وأضاف خيرالله “يعتبر مثل هذا التصرف، الذي يعني رفض اليد الممدودة المغربية، دليلا على إفلاس ليس بعده إفلاس لنظام لا يدري أن مشكلته الأولى هي مع شعبه وليس مع المغرب. إنه نظام لا يمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأنه انتهى وأن الهروب من أزمته لن يفيده في شيءٍ بقدر ما يعمّق هذه الأزمة”.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس تقدم بمبادرة للصلح مع الجزائر تقضي بإعادة فتح الحدود المغلقة منذ سنوات، وهو ما قوبل بتجاهل الجزائر.
وكرر رمطان لعمامرة اتهامات الرئاسة الجزائرية بـ”ضلوع الرباط في موجة الحرائق الأخيرة التي عاشتها البلاد، وفي الجريمة المروعة التي راح ضحيتها الشاب المتطوع جمال ابن إسماعين”.
وذكر أن “احتضان الرباط للتنظيمين الإرهابيين، حركة استقلال القبائل (ماك) وحركة رشاد، يوحي بالنوايا المبيتة للمغرب تجاه جاره الشرقي، مما يتوافق مع محتوى المشروع الذي عرضه مفوضه في الأمم المتحدة لتحقيق مصير الشعب القبائلي في الجزائر، ووقوفه خلف المخطط التخريبي الذي يستهدف البلاد”.
وذهب رمطان لعمامرة إلى أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية أملته ما وصفه بـ”الإكراهات والممارسات المغربية العدائية تجاه الجزائر”، وأن القرار النهائي بشأن العقد المتصل بأنبوب الغاز الجزائري العابر للمغرب نحو إسبانيا يخضع لاعتبارات واتفاقيات دولية، وأن شركة سوناطراك المالكة للأنبوب هي صاحبة القرار وهي صاحبة صلاحية التجديد أو فسخ العقد في المستقبل القريب.
وتضاربت الروايات في العاصمتين بشأن مصير الاتفاق المبرم بين البلدين حول أنبوب الغاز، والذي ينتهي نهاية العام الجاري؛ فقد تحدثت دوائر على صلة بالملف عن دخول الاتفاق في دوامة السجال الدبلوماسي بين البلدين، بينما رأت أخرى أن المصالح الاقتصادية ستستمر ولا يمكن لها أن تخضع لتجاذبات غير ثابتة.
وذكّر وزير الخارجية الجزائري بأن “الوثيقة التي عرضها المفوض المغربي في الأمم المتحدة حول ما أسمته الرباط ‘تقرير مصير الشعب القبائلي’ كانت انزلاقا خطيرا (…) وانتظرت الجزائر من القيادة المغربية تقديم توضيح لها حول المسألة إن كان (ذلك) تصرفا معزولا أو موقفا رسميا، لكن صمت المغرب منذ منتصف شهر جويلية الماضي أوحى لها بأن المسعى المذكور هو موقف مغربي”.
واتهم لعمامرة الرباط بالوقوف وراء الموت البطيء للاتحاد المغاربي، واستدل على ذلك بقوله “المغرب هو البلد المغاربي الوحيد الأقل توقيعا على الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت بين الدول والقادة في مختلف المراحل”.