تونس – أعلنت فرنسا دعمها الواضح للقرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ الخامس والعشرين من جويلية الماضي، وعبّرت باريس عن عدم رفضها لإعداد خارطة طريق انطلاقا من الشرعية الشعبية التي يحظى بها قيس سعيّد في تونس، في خطوة تهدف إلى تفعيل تلك القرارات وتحقيق تطلعات التونسيين.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت إن فرنسا تقف إلى جانب تونس وشعبها في هذه اللحظة الحاسمة، في وقت تعهد فيه سعيّد بعرض خارطة طريق لإدارة المرحلة في أقرب وقت.
ونقل بيان صادر عن قصر الإليزيه عن الرئيس الفرنسي قوله إثر مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي قيس سعيد، إن فرنسا تقف إلى جانب تونس والشعب التونسي من أجل سيادتها وحريتها.
وأعلن ماكرون “رغبته في أن تتمكن تونس بسرعة من الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجهها”.
وأضاف الرئيس الفرنسي “تونس يمكن أن تعتمد على دعم فرنسا لمواجهة كل هذه التحديات”.
وأكد الرئيس سعيد التزامه بالاستجابة للأولويات العاجلة، وقال إنه سيعرض بسرعة خارطة طريق للفترة المقبلة وسيواصل إعلاء الشرعية الشعبية.
واعتبرت شخصيات سياسية تونسية أن الموقف الفرنسي يأتي في إطار دعم توجّهات الرئيس سعيّد والمرحلة السياسية الجديدة التي أسسها في تونس، مرجّحة أن يرتفع منسوب التعاون الثنائي بين البلدين في مستوياته الاقتصادية والأمنية.
وأفاد الناشط السياسي عبدالعزيز القطي بأن “دعم الدول الأجنبية -على غرار فرنسا وكذلك البلدان الصديقة والشقيقة- لقرارات قيس سعيد كان منتظرا؛ فقد كانت تتابع التطورات في تونس التي وصلت إلى وضع غير مسبوق في السنوات العشر الأخيرة”.
وأضاف، “فرنسا تسعى لتوطيد علاقاتها مع تونس وبقية دول المغرب العربي، وهي تدعم المسار الجديد في تونس لتحقيق الاستقرار السياسي”، وقال “باريس تؤسس لعلاقات اقتصادية جديدة ودفع الاستثمار بعد دخول تونس في هذه المرحلة”.
وتابع “فضلا عن التعاون الاقتصادي هناك مصالح مشتركة بين الطرفين وفي مقدمتها المسألة الأمنية والمزيد من حماية الحدود وتأمينها من مختلف المخاطر”.
ويبدو جليا أن فرنسا تدعم بشدة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم الخامس والعشرين من جويلية الماضي وأبرزها حل الحكومة وإقالة رئيسها هشام المشيشي وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه.
وفسّر مراقبون الدعم الفرنسي لقيس سعيد بما يحظى به من شرعية شعبية (قرابة 3 ملايين ناخب)، فضلا عن خيبة أمل الشارع التونسي في الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب، وفي مقدمة ذلك أجندات حركة النهضة وحلفائها التي أدت إلى التراجع على جميع المستويات. وسجّل هؤلاء المراقبون ارتياحا فرنسيا لتوجهات قيس سعيد وسعيه لتصحيح المسار وإرساء الاستقرار السياسي في البلاد.
وأكد ناجي جلول، أمين عام الائتلاف الوطني التونسي، على “وجود علاقات تاريخية بين فرنسا وتونس، وباريس الآن تشجّع مساندة الشعب للرئيس سعيّد، وأفاد بقوله “شرعية الشارع التونسي اليوم أجبرت كل الأطراف على مراجعة مواقفها”.
وأضاف جلول “ما قام به قيس سعيّد ممتاز، لأن ثورة جانفي 2011 قامت أساسا على المطالب الاجتماعية (شغل، وتنمية، وكرامة وطنية)، والشعب التونسي كره الأحزاب وسياساتها المصلحية على امتداد عشر سنوات، حيث أهملت الطبقة السياسية مطالب مختلف الفئات”.
وتابع “سعيّد وظّف النقمة الشعبية على الأحزاب والطبقة السياسية، وعليه الآن أن يواصل حل البرلمان وتنظيم استفتاء شعبي وإجراء انتخابات مبكّرة، لأنه صاحب الشرعية الشعبية”.
وبخصوص مستويات الدعم الفرنسي لتونس قال ناجي جلول “آمل أن تلعب فرنسا دورا مهما في دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية في المرحلة القادمة، ويجب على تونس أن تبني علاقات متوازنة مع باريس ومع كامل العواصم الأوروبية”.
وتعتبر فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس ويرتبط البلدان بعلاقات تاريخية، وتتحدث الكثير من التقارير عن التأثير الفرنسي في السياسات التونسية منذ الاستقلال عام 1956.
ولم يقتصر الدعم الموجه إلى تونس على الجانب الفرنسي، بل ساندت دول أخرى قرارات الرئيس سعيّد. ويرى مراقبون أن سعيّد تحصل على دعم غربي وخليجي يمنحه الثقة لاستكمال إجراءاته.
وقال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، إن بلاده “تتفهم القرارات التاريخية للرئيس وتدعمها، وهي تدرك أيضا أهميتها للحفاظ على الدولة التونسية والاستجابة لإرادة شعبها”.
جاء ذلك في بيان صادر السبت عن رئاسة الجمهورية التونسية، عقب لقاء جمع أنور قرقاش مع الرئيس سعيد في قصر قرطاج.
وثمّن أنور قرقاش ما اعتبره “اللحظة التاريخية التي تشهدها تونس”، مشددا على أن “الإمارات على ثقة بقدرة الرئيس سعيّد على عبور هذه المرحلة وحماية الدولة التونسية من كل ما يهددها”.
وأعرب كذلك “عن استعداد الإمارات لدعم تونس والوقوف إلى جانبها تعزيزا لما يجمع البلدين من روابط أخوية تاريخية”.
وأشاد قيس سعيد “بمتانة علاقات الأخوة الوطيدة والمتميزة التي تجمع بين البلدين، وجدد تأكيد حرص تونس على مزيد الارتقاء بها إلى أعلى المراتب خدمة للمصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين”، وفق البيان.
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي يتولى السلطة التنفيذية بشكل كامل منذ إعلان التدابير الاستثنائية، بعدة إقالات في أجهزة الدولة وعين وزراء جددا ولكنه لم يعين رئيس وزراء ولم يعرض خارطة طريق لإدارة المرحلة القادمة.
خالد هدوي - صحافي تونسي