دأب تنظيم داعش الإرهابي خلال العامين الماضيين، على بث مقاطع مصورة تظهر عمليات قتل وحشية، فيما بدا محاولة لاستعادة طقوس ساحات التعذيب التي عرفتها القرون الوسطى لتأكيد السطوة، لكن مؤخرا لجأ التنظيم الإرهابي إلى سلاح الأحزمة الناسفة بعدما بهتت حدود دولته المزعومة الآخذة في التآكل.
وعوضا عن توزيع الغنائم، كشفت وثائق نشرت مؤخرا عقب تحرير مدينة سرت الليبية من إرهابيي داعش عن عقود زواج كانت فيها الأحزمة الناسفة حاضرة كمؤجل صداق.
وبفقدانه الجغرافيا المتوهمة للخلافة، خسر تنظيم داعش الإرهابي المبدأ الذي أسس عليه أدبياته وعاد مجددا لينازع تنظيم القاعدة ساحات القتال البعيدة خلف سراب الدولة التي تبخرت بفعل ضربات التحالف الدولي في العراق وسوريا.
وقبل يومين حاول انتحاري من أصل لبناني، بايع التنظيم الإرهابي، تفجير حزام ناسف يزن 8 كيلو جرامات من المواد المتفجرة، داخل أحد المقاهي في شارع الحمرا بوسط بيروت.
كما انتشر مقطع مصور يوثق شجاعة رجل أمن سعودي واجه إرهابيا يرتدي حزاما ناسفا، خلال عملية نفذتها قوات الأمن شمال الرياض وأسفرت عن مقتل إرهابيين اثنين.
وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أكدت مقتل الإرهابيين وإصابة رجل أمن في عملية نفذتها 7 يناير/ كانون الثاني في حي الياسمين شمال العاصمة.
وقبل نهاية العام المنصرم، فجر انتحاري مصري نفسه داخل كنيسة في وسط القاهرة مخلفا 28 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، في واحدة من العمليات النادرة داخل حدود وادي النيل.
وكان التنظيم الإرهابي قد درج على تنفيذ عملياته الإرهابية في دلتا النيل مستخدما شاحنات وسيارات مفخخة، وهو أمر تكرر في تفجيري مديريتي أمن القاهرة والدقهلية قبل ما يزيد عن عامين.
ويرى الخبير الأمني المصري، العميد خالد عكاشة، أن تنظيم داعش الإرهابي لجأ إلى خطته البديلة التي يعتقد عكاشة أن التنظيم كان قد وضعها بالفعل إبان سيطرته على الرقة والموصل.
وبحسب عكاشة زرع تنظيم داعش خلاياه النائمة في عدة أقطار عربية وغربية بهدف تفعيلها إذا ما ضاق عليه الخناق داخل حدوده.
ويقول عكاشة لـ"العين" إن "الأحزمة الناسفة لم تعد مجرد أداة من بين أدوات أخرى يستخدمها التنظيم، لكنها أصبحت أقرب للسلاح الشخصي خاصة بالنسبة للقيادات الكبرى في التنظيم التي تخشى من إلقاء القبض عليها".
وأججت العمليات الأخيرة تنافس القاعدة وداعش على قيادة الإرهاب العالمي، وخلال الأسابيع الأخيرة بث زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري مقاطع مصورة انتقد فيها الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي واتهمه بالكذب.
ويرى عكاشة أن التنافس قائم بالفعل بين التنظيمين الإرهابيين على قيادة ما يسمونه "قيادة العمل الجهادي المسلح"، لكن يتوقع مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة صراعا أكثر عنفا من أجل استعادة القاعدة مواطئ قدم كان قد فقدها مع بزوغ نجم داعش، مستفيدا من انكفاء التنظيم بعد خسائره المتلاحقة.
الأمر نفسه يؤكده القيادي السابق في تنظيم الجهاد نبيل نعيم. ويقول نعيم لـ"العين إن لجوء تنظيم داعش الإرهابي إلى تكتيك الأحزمة الناسفة تعبير عن قلة حيلته بعد أن تكبد خسائر فادحة خلال الفترة الماضية.
كما يلفت نعيم إلى أن العمليات الكبرى التي قام بها التنظيم باستخدام السيارات المفخخة لم تعد مجدية بعد أن طورت سلطات الأمن في عدد من الدول العربية ومن بينها مصر خطط ووسائل التأمين.
ويتابع أنه "لم يعد ممكنا في مصر الآن خاصة في الوادي تنفيذ عمليات كبرى أو استهداف مؤسسات الدولة عبر استخدام السيارات المفخخة مثلما كان يحدث في السابق.. خاصة وأن داعش يستهدف في الأساس إسقاط أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح.. هذا ما يفسر مثلا عمليته في الكنيسة البطرسية ومحاولته الفاشلة الأخيرة في بيروت".
لكن نعيم يشير أيضا إلى أن تلك النوعية من التنظيمات كـ"داعش" و"القاعدة" يعتمد على تدفق الدعم المالي لأنظمه من أجل استخدام تلك التنظيمات في تحقيق مصالحها الإستراتيجية.
ويرى نعيم أن انكفاء داعش أخيرا يأتي نتيجة لفقدانه دوره الوظيفي بالنسبة للأنظمة التي راهنت عليه لتحقيق أهداف معينة، ويشير إلى أن انهيار هذا النوع من التنظيمات يستتبع بالضرورة ظهور ظواهر من قبيل "الذئاب المنفردة"، والخلايا العنقودية التي غالبا ما يسهل اصطيادها أمنيا.
