اتهامات مبطنة من قيس سعيد لحكومات سابقة بتوظيف الآلاف بشهادات مزورة.
تونس- قالت أوساط سياسية تونسية مطلعة إن الرئيس قيس سعيد أطلق إشارة تفكيك التمكين الحزبي داخل مؤسسات الدولة بعد قرار وزارة الداخلية إحالة عدد من الكوادر الأمنية على التقاعد، وتلميح الرئيس سعيد إلى التخلي عن الآلاف الذين دخلوا إلى وظائف حكومية بشهادات مزورة بتواطؤ جهات في الحكومات السابقة.
وأشارت الأوساط السياسية إلى أن المواجهة الآن ما عادت مع الأحزاب السياسية كأحزاب، بل بكادرها الذي تسلل إلى جهاز الدولة وفي قطاعات حيوية مثل القضاء ووزارة الداخلية، وأن الرئيس التونسي يراهن على أن الإصلاح لا بد أن يبدأ بتنقية الوزارات من نفوذ الأحزاب وتأثيرها قبل المرور إلى وضع خطط لتطوير أدائها معتبرة أن الأمر منطقي، وأن قيس سعيد يتخوف من أنه إذا ترك الأمور على ما هي عليه، فإن لوبي الأحزاب سيعمل على عرقلة أيّ إصلاح.
وتراهن هذه الأوساط على أن يتم تفكيك ما بات يوصف بالألغام التي تتهم حركة النهضة بزرعها في مؤسسات الدولة، وخاصة منظومة الأمن الموازي.
وتضم قائمة الكوادر الأمنية التي نقلتها وسائل إعلام محلية أسماء بارزة ممّن عملت في مواقع متقدمة بوزارة الداخلية، بعضها سبق أن اتهم بالعمل لحساب حركة النهضة، والبعض الآخر لم يسبق أن وجّهت إليه أيّ اتهامات في الغرض.
وتُتهم حركة النهضة منذ سنوات بإنشاء جهاز أمن مواز عند تولي علي العريض قيادة وزارة الداخلية. وتثير هذه القضية جدلا متواصلا خاصة مع سعي أطراف سياسية وحقوقية بربط هذا الجهاز بالاغتيالات السياسية التي جرت في 2013، وبحركة تسفير الشباب إلى مناطق الحرب مثل سوريا وليبيا لدعم الحركات الإسلامية المتشددة. وتنفي حركة النهضة باستمرار الاتهامات الموجهة إليها في هذا الملف الحساس.
واعتبر الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي أن هذه الإعفاءات خطوة متقدمة نحو تفكيك منظومة الأمن الموازي باعتباره “شرطا أساسيا للمضي قدما في إنجاز الاستحقاقات الوطنية”.
ويقول مراقبون تونسيون إن محاولة تفكيك منظومة التمكين الحزبي سواء أكانت تقف وراءها حركة النهضة أم غيرها لا يمكن أن تقف عند موضوع الاتهامات باختراق وزارة الداخلية أو غيرها من وزارات السيادة، مشيرين إلى نفوذ كبير للأحزاب في بقية الوزارات من خلال تعيينات قد لا تجلب الأنظار، لكنها تمثل على المدى البعيد بمثابة عيون مراقبة وتجسس للأحزاب لمعرفة آليات عمل مختلف الوزارات وأنشطتها.
ولفت المراقبون إلى أن الاختراق الواسع تم من خلال تمكين الآلاف من أنصار الأحزاب في وظائف حكومية مختلفة دون المرور بمسالك التوظيف العادية، أي عبر المناظرات، فضلا عن التهم الموجهة إلى أكثر من حزب وجهة نافذة بتسهيل عمليات التوظيف بشهادات مزورة، وهو ما يمثل اعتداء على حقوق بقية المواطنين.
ويراهن الآلاف من الشباب التونسيين على الرئيس سعيد من أجل تصويب الأوضاع الخاطئة التي جرت في السنوات الماضية، وفتح المجال لسياسية تكافؤ الفرص أمام الجميع في مسار التوظيف بالقطاع الحكومي الذي أغرقته الأحزاب بأنصارها أو من خلال قرارات عشوائية هادفة إلى شراء السلم الاجتماعي.
ووجه قيس سعيد الجمعة اتهامات مبطنة للحكومات السابقة بارتكاب فساد إداري وممارسة المحسوبية في التشغيل على نطاق واسع ما دفع بالآلاف إلى الانتفاع بوظائف في مؤسسات الدولة بشهادات مزورة.
وقال سعيد خلال لقائه نصرالدين النصيبي وزير التشغيل في حكومة نجلاء بودن إن الآلاف تقدموا إلى الوظائف بشهادات تحمل أختاما غير صحيحة بتواطؤ جهات لم يسمّها. وأضاف أن عددا منهم جرت إحالته إلى القضاء. وأضاف “العديدون انتفعوا بهذه الشهادات بناء على ولائهم وبناء على تواطؤ جهات”.
وطالبت أحزاب وشخصيات سياسية داعمة للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، بأن يكون تفكيك منظومة التمكين لحركة النهضة أولوية رئيسية في المرحلة القادمة بالتوازي مع مسار الإصلاحات السياسية المنتظرة.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن التصعيد في خطاب قيادات حركة النهضة تجاه الرئيس سعيد بعد الخامس والعشرين من يوليو هدفه خلق مناخ سياسي متوتر يحول دون فتح الملفات المتعلقة بالتوظيف ووضع أنصار الحركة وبعض قادتها في مواقع مختلفة من مؤسسات الدولة.
ويتهم هؤلاء المتابعون النهضة بالتأثير على القضاء، مشيرين إلى قضية لطفي نقض، القيادي المحلي في حزب نداء تونس، الذي قتل في اقتحام مقرر للحزب في 2013، لكن القضاء حكم في مرحلة أولى بالبراءة على المتهمين، قبل أن يعود هذه الأيام، أي بعد تنحية النهضة من الحكم، ليصدر أحكاما باتة في حقهم بلغت 15 سنة بالنسبة إلى المتهمين الرئيسيين.
لكن الحركة ترفض هذه الاتهامات وحذرت، في آخر بيان لها الخميس، من “خطورة التراجع عن ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق المتّهمين وتراجع الثقة في دولة القانون في ظل الاستهداف الممنهج للسلطة القضائية وهرسلة القضاة وتهديدهم.”
وتشهد تونس مساراً سياسياً انتقالياً دشنه الرئيس سعيد عندما أعلن عن تفعيل الفصل الـ80 من الدستور في الخامس والعشرين من جويلية الماضي، الذي يصادف عيد الجمهورية داخلياً، وشملت تلك الإجراءات التي حظيت بتأييد شعبي واسع تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة الحكومة برئاسة هشام المشيشي.
صغير الحيدري
صحافي تونسي