رئيس حركة النهضة يعتمد على المناورة لجلب الانتباه إليه وكسر عزلته من خلال إطلاق تصريحات توحي باستعداده للاستقالة التي لم يعد لها من معنى.
تونس- وجد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في بعض الدعوات إلى انتخابات مبكرة فرصة ليبحث لنفسه عن دور في الواجهة بعد أن غاب عن الأنظار في الفترة الأخيرة بعد فشل دعواته لإفشال مسار الخامس والعشرين من جويلية الذي قاده الرئيس قيس سعيد لإخراج تونس من الأزمة السياسية الحادة التي عاشتها.
وقالت أوساط سياسية مقربة من حركة النهضة الإسلامية إن الغنوشي وجد في الدعوة إلى انتخابات مبكرة فرصة ليكسر عزلته داخل النهضة وفي المشهد السياسي ككل، مشيرة إلى أن رئيس البرلمان المجمّد فقد الاتصال بأغلب السياسيين والأحزاب تماما مثلما فقد أيّ تواصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية.
وأشارت إلى أن مَن تبقى مِن قياديي النهضة الذين لم يستقيلوا بعد حمّلوه مسؤولية العزلة التامة التي باتت تعيشها الحركة، حيث لم تعد الأحزاب والشخصيات تقبل أيّ تواصل علني مع النهضة ورئيسها، فضلا عن مشاركتها في أيّ موقف سياسي بما في ذلك المعارض لقيس سعيد وسياساته.
وفي حوار مع جريدة “الصباح” اليومية المحلية سعى الغنوشي لإظهار دعمه لإجراء انتخابات مبكرة، قائلا “إما أن يتراجع الرئيس قيس سعيد عن قراراته أو تحسم الأزمة بانتخابات مبكرة”.
وأضاف “إن كان الحل في استقالتي، فإنّي لن أتأخّر في الإعلان عنها وسأنسحب من رئاسة المجلس”، متسائلا “لماذا أنا دون المواقع السيادية الأخرى”، في تلميح لاستقالة رئيس الجمهورية هو أيضا.
واعتبر محللون وسياسيون تونسيون أن الغنوشي يعتمد على المناورة لجلب الانتباه إليه مجددا من خلال إطلاق تصريحات توحي باستعداده للاستقالة في وقت لم يعد لهذه الاستقالة من معنى سواء من رئاسة البرلمان حين كانت خطوة ضرورية لمنع فوضى البرلمان، أم من رئاسة النهضة، حيث كانت ستمنع موجة الاستقالات التي عرفتها النهضة وأدت إلى شروخ وشقوق تنذر بنهايتها.
وأضاف هؤلاء أن الغنوشي، الذي عرف بقدرته على اقتناص الفرص، يريد أن يتحول إلى قبلة لوسائل إعلام محلية وأجنبية من خلال دعمه سلسلة من الأفكار والمبادرات حتى يكسر العزلة السياسية والإعلامية من حوله، وهو أمر لم يتعود عليه من قبل.
ويأتي تصريح رئيس حركة النهضة بشأن الانتخابات المبكرة في محاولة للركوب على مبادرة مجموعة من السياسيين الحزبيين والمستقلين كانوا أطلقوا الاثنين مبادرة تضمنت مجموعة من العناصر من بينها “إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها خلال النصف الثاني من سنة 2022”.
واعتبر المحلل السياسي التونسي محمد ذويب أن “تصريحات راشد الغنوشي هي تكتيك آخر يريد من خلاله إنقاذ حركته التي تشهد مشاكل داخلية وباتت مهددة بالتفتت، وخارجية بعد أن رفع الخارج يده عنها”.
وقال ذويب إن “الغنوشي يريد الاستقالة للخروج بمظهر الشيخ الحريص على مصلحة البلد ويبدي استعداده للتضحية بمنصبه من أجل مصلحة الجماعة”.
وأضاف أن “حديث رئيس حركة النهضة عن انتخابات مبكرة وبنفس الأرضية التي دارت فيها الانتخابات السابقة يريد من خلاله إعادة حركته إلى الواجهة، وهو المحظور الذي لن يقع فيه الرئيس قيس سعيد المصرّ على تطبيق القانون في علاقة بتقرير محكمة المحاسبات وتغيير النظام السياسي عبر الاستفتاء الشعبي”.
وكان الرئيس قيس سعيد دعا في أكثر من مرة القضاء إلى “تحمّل مسؤوليته في محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وخاصة التجاوزات المالية” خلال الانتخابات السابقة التي جرت عام 2019، في إشارة إلى ما توصلت إليه محكمة المحاسبات من قرائن وأدلة تدين بعض الأحزاب، وهو ما قد يقود إلى حلها.
ومن شأن طرح مبادرات جديدة، ولو كانت غير ذات جدوى، أن تحمل النقاش السياسي إلى ملعب آخر بعيدا عن قضية المحاسبة وحل الأحزاب، وهو ما قد يكون الغنوشي قد وجد فيه فرصة لإعادة خلط الأوراق. لكن محمد ذويب اعتبر أنه مهما سعى رئيس حركة النهضة للمناورة فإن “تكتيكاته ومخاتلاته لن تنطلي مرة أخرى على التونسيين”.
من جهته اعتبر المنجي الرحوي النائب في البرلمان المجمد أن “الغنوشي انتهى وكل ما يقوله بعد تاريخ الخامس والعشرين من يوليو (الإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد) هو هراء”.
ولاحظ المراقبون أن رئيس حركة النهضة أظهر في حواره أنه لم يتغير ولم يستفد ممّا جرى من أجل إحداث المراجعة الضرورية لمستقبل حركة النهضة، حيث لم يشر من قريب أو بعيد إلى أيّ أخطاء أو تقصير في أدائه على رأس البرلمان، أو دوره في السنوات العشر الأخيرة التي عاشت تونس فيها على وقع أزمات متعددة.