الأخبار تتجمد في حدث غير مسبوق، حيث أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأن العالم قد انحرف عن مساره المعهود، فقد ضربت درجات الحرارة المتوسطة رقمًا قياسيًا خلال شهر جويلية الماضي. ولم يكن هذا المستوى من الحرارة مشهودًا به منذ ما يقارب 120 ألف عام، محطمًا كل السجلات السابقة ومخطئًا كل الآليات المتوقعة.
كان العالم يعيش في سياق معايشته للتغيرات المناخية، ولكن ما حدث في شهر جويلية له معنى أعمق. "سامانثا بورغيس"، نائبة مدير خدمة "كوبرنيكوس لتغير المناخ"، ألقت الضوء على هذا الموضوع المهم خلال مؤتمر صحفي في جنيف. تحدثت بورغيس عن الرقم القياسي الصاعق، حيث أكدت أن متوسط درجة الحرارة العالمية في جويلية 2023 كان أعلى من أي وقت مضى. لاحتساء كلماتها، تذكرنا بأن درجات الحرارة في هذا الشهر العادي كانت تفوق متوسطها في الفترة الممتدة من 1815 إلى 1900، العصر الذي سبق تحول الصناعة إلى واقع.
التأثيرات لا تنحصر في البراري والبحار فحسب، بل تمتد أيضًا إلى أعماق المحيطات. حسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، فإن تلك الحرارة اللافتة للنظر تعود بنا إلى عصور لم نعاصرها منذ 120 ألف عام. ولا يقتصر التحدي على البر، فدرجات حرارة سطح البحر أيضًا تجاوزت كل التوقعات، فارتفعت "بشكل غير عادي" في أفريل الماضي، وأدت إلى تسجيل زيادة قدرها 0.51 درجة مئوية فوق المعدل العام للفترة من 1991 إلى 2020.
لم يكن "كريس هيويت"، مدير خدمات المناخ لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، متفاجئًا بهذه الزيادة المقلقة. قال هيويت، بابتسامة مريرة تمثل تحديًا وتفاؤلًا في الوقت ذاته، إن توقعات الوكالة أشارت في وقت سابق إلى احتمال أن تكون إحدى السنوات الخمس المقبلة من بين أكثر الأعوام دفئًا على مر العصور. وهنا يجب أن نلقي نظرة على الرقم 98، فهذه هي النسبة التي يمنحها "هيويت" لهذه الاحتمالية. وإلى جانب هذا، ترى الوكالة أن هناك نسبة 66 في المئة من الاحتمالية أن درجات الحرارة ستتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق المتوسط التاريخي في الفترة نفسها، ولكنها تؤكد أن هذه الظاهرة قد تكون "مؤقتة"، كما يتضح من تصريحه.
وفي هذه الجرعة الثقيلة من الواقع، يشدد هيويت على أن الاتجاه نحو الاحترار العالمي ليس مجرد نتيجة تغيرات طبيعية. يظهر أن هذا الاتجاه مدفوع بزيادة غير مسبوقة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. الأمور وصلت إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، وهذا يشير إلى أن العالم في مأزق تاريخي يتطلب تدخلاً فوريًا.
هذه ليست مجرد أرقام، بل هي نداء استغاثة من كوكبنا. الحرارة تصرخ، البحار تحاول الصراخ، والعوالم ترتدي ثياب الحرارة. هل نستطيع أن نسمع هذا النداء ونبدأ في العمل؟ أم سيظل مستقبلنا مجرد أرقام في تقارير جوية محزنة؟ الأوقات تتغير، والتحديات تتكاثر. إنها مسؤوليتنا أن نفهم ونتصرف قبل فوات الأوان.