توظيف الطاقات النسائية في النزاعات الحربية وداخل الفصائل المسلحة ليس بالجديد تاريخيا، غير أن تجنيد التونسيات من ذوات المستوى التعليمي المرموق ومن بلاد تكرس حقوق المرأة وتنادي بالمساواة في التنظيمات المتطرفة كان أمرا مثيرا للدهشة والاستغراب.
بلغ عدد ولادات ما سمي بجهاد النكاح 34 ألف طفل في بؤر الصراع والتوتر بالعالم العربي، وفق ما ذكرته الأستاذة بجامعة الزيتونة، منجية السويح، خلال ندوة انعقدت بالعاصمة التونسية، السبت، تناولت محور المرأة والإرهاب وكيفية حمايتها من التجنيد والاستقطاب الإرهابي.
وأكدت منجية السويح، خلال مداخلتها، أن نساء من كل الجنسيات يشاركن في ما يسمى بجهاد النكاح وأن الأمر لا يقتصر على التونسيات فقط.
وأشارت إلى أن الأسباب المادية، وليست الدينية فحسب، كانت العامل الأساسي لاستقطاب النساء، فأربعة آلاف دولار كانت كافية لتجنيدهن وتحولهن إلى مجندات من أجل العنف والكراهية.
وأكد مهدي بن غربية، وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، ضرورة التعاون من أجل مكافحة هذه الظاهرة بالبحث عن الأسباب والدوافع للتوصل إلى حلول، خاصة أن المرأة كالرجل باتت محل استقطاب من الجماعات المتطرفة.
وشدد على أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب التدقيق في الخطاب الذي يستميل به المتطرفون ضحايا التجنيد.
وأشار إلى أن هذا الأمر استوجب اعتماد منصة خطاب بديل في إطار العمل المشترك بين وزارة حقوق الإنسان ووزارة تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي ووزارة الداخلية.
ولفت كريم عمر، المدير العام للقطب الأمني، إلى دور رجال الأمن في التصدي للتطرف، مؤكدا أن وزارة الداخلية بصدد تكثيف جهودها الوقائية لمنع التمدد الإرهابي.
وأكد أن التطرف لا يوجد في تونس بدافع ديني أو مادي فقط بل لأسباب إجرامية، فمعظم القيادات الإرهابية في تونس من أصحاب السوابق العدلية.
وأشار إلى أن المشاركة النسائية في العمليات الأخيرة تستدعي مراقبة أمنية مكثفة وبذل مجهود أكبر لحمايتهن من التجنيد ضمن مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني.
وفسرت المديرة العامة لوزارة المرأة، بسمة بوسيل، أن ظاهرة تجنيد النساء تعود إلى أسباب لا يتحملها فقط المجتمع بل تتحملها الأسرة لغياب التوعية وانتشار أفكار التشدد والضغوطات الأسرية والمادية التي تعاني منها المرأة مما ولد لديها الإحساس بالغبن والعنف الذي استشرى لدى كل الطبقات والفئات العمرية.
وأكدت وجوب توعية النساء بمدى خطورة هذه التوجهات الفكرية المتطرفة لأن تجنيد النساء في مثل هذه التنظيمات يعد الأخطر على المجتمع.
ورأت النائبة بمجلس نواب الشعب، محرزية العبيدي، أن مشاركة النساء في التنظيمات الجهادية التكفيرية لم تكن حديثة العهد ولم تتأت منذ ثورة يناير بل تعود إلى سبعينات القرن الماضي، منذ ظهور هذه الجماعات المسلحة سنة 1974.
وقالت إن معالجة هذه الظاهرة تكمن في خيار التربية والتعليم والتثقيف الديني الصحيح وضرورة الانتباه إلى دور الإنترنت الذي يستطيع أن يفتح باب التطرف، وهو ما يتطلب يقظة ووعيا أسريا.
وأكدت زهرة مبروكي، القاضية بمحكمة الاستئناف، أن القطب القضائي يقوم بدوره في البحث والتقصي حول تهم الإرهاب حيث لا يستطيع إدانة المرأة واعتبارها إرهابية إلا إذا ثبتت عليها التهمة بالأدلة وتوفر الركن المادي والقانوني في الجريمة واستيفائها جميع الطعون.
وقالت القاضية إن النساء اللاتي على ذمة التحقيق في تهم الإرهاب واللاتي أودعن السجون التونسية يبلغ عددهن 50 امرأة، لم تثبت التهمة إلا على امرأة واحدة فقط منهن.
وتطرقت الممثلة عن النساء الديمقراطيات، أميرة السعدي، إلى ضرورة العمل في الجهات الداخلية لتوعية نساء هاته المناطق التي استطاع المتطرفون التسلل إليهن، مؤكدة أن على الناشطين في المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التنقل إليهن حتى تتحقق التوعية أفضل من خلال القرب منهن.
وأوصت الندوة بجملة حلول تقريبية لمعضلة التطرف في تونس منها بذل جهود مضاعفة من قبل أجهزة الدولة والمجتمع المدني للحد من ظاهرة تجنيد النساء في مناطق النزاع، وذلك بتكريس تثقيف وتوعية المرأة والإنصات إلى مشاغلها وهمومها في كل مناطق البلاد من خلال التواصل معها ميدانيا، إضافة إلى تكثيف دور أجهزة الأمن في مراقبة الحدود والعناصر المشبوهة والقيام بحملات أمنية وقائية في محيط المعاهد والجامعات ودور الثقافة.
وأوصت المقاربة الأمنية بتوفير التدريب المهني اللازم لرجال الأمن والأخذ بالتجارب الدولية لتحقيق تقدم في هذا المسار.
ودعت الندوة إلى ضرورة اعتماد مناهج البحث الفكري في التعامل مع ظاهرة الإرهاب.