تتخوف الأطراف السياسية التونسية من إمكانية أن يؤدي الفشل في انتخاب البرلمان لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تأجيل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في شهر مارس القادم وهو ما من شأنه التأثير على الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2019.
تونس - قال البرلماني التونسي الصحبي بن فرج إن استمرار مأزق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستكون له تداعيات وخيمة ليس فقط على الانتخابات البلدية (المحلية)، وإنما على مُجمل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وذلك في إشارة مباشرة للانتخابات التشريعية والرئاسية المُقررة في العام 2019.
ويأتي هذا التحذير في أعقاب فشل مجلس نواب الشعب (البرلمان)، للمرة الرابعة في انتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الأمر الذي جعل المخاوف من إمكانية تأجيل الاستحقاقات المحلية تتصاعد بشكل لافت.
وقال بن فرج إن الوضع الحالي يكشف بوضوح “أننا في مأزق سياسي وبرلماني جدّي وخطير، وتتجاوز انعكاساته العملية الانتخابية المُرتبطة بالمحليات، لتشمل الاستحقاقات القادمة”.
وأخفق البرلمان التونسي ليل الاثنين-الثلاثاء، في انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلفا لرئيسها السابق شفيق صرصار الذي استقال من منصبه في ماي الماضي.
ولم يحصل أيّ من المُرشّحيْن لهذا المنصب، وهما محمد التليلي المنصري ونجلاء إبراهم على عدد الأصوات الكافية (109 أصوات) خلال الدورة الانتخابية الثانية التي أجراها البرلمان التونسي.
وأعلن عبدالفتاح مورو نائب رئيس البرلمان عن نتائج هذه الدورة الانتخابية قائلا إنها أسفرت عن حصول محمد التليلي المنصري على 100 صوت، بينما حصلت نجلاء إبراهم على 51 صوتا، إلى جانب تسجيل 18 ورقة بيضاء وورقة واحدة مُلغاة. وأكد مورو أنه ستتم إحالة نتائج هذا التصويت على مكتب مجلس نواب الشعب ورؤساء الكتل النيابية للتباحث بشأنها، بهدف التوصل إلى توافق يؤدي إلى انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في أقرب الآجال.
وأثار فشل البرلمان في انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات تخمينات بأن هذا الملف أصبح بمثابة ورقة مساومة ضمن استراتيجية أشمل في التعامل مع الوضع السياسي.
وتباينت ردود الفعل السياسية إزاء هذا الإخفاق الجديد في التوصل إلى توافق يُفضي إلى انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات التي تستعد لتنظيم الانتخابات المحلية بعد نحو خمسة أشهر.
وحمّل بن فرج الأغلبية الحاكمة، ويقصد بذلك حركة نداء تونس وحليفتها حركة النهضة الإسلامية، مسؤولية هذا المأزق الذي جعل الانتخابات المحلية التي يُفترض أن تتم في الـ25 من مارس القادم تقترب كثيرا من دائرة المساومات السياسية التي تتحكم فيها الحسابات الحزبية الضيقة بعيدا عن المصلحة الوطنية.
وأعتبر أن فشل البرلمان في انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات يؤكد مرة أخرى أن الأغلبية الحاكمة غير قادرة على حسم الوضع، ما يبرر المخاوف التي تزايدت من تأجيل هذه الانتخابات.
وكان أنور بن حسن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنيابة أعلن في وقت سابق أن يوم 25 مارس 2018 هو الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات المحلية الأولى في البلاد منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 جانفي من العام 2011.
وأوضح أن تحديد هذا الموعد “جاء بعد التأكد من كل الضمانات التي توفر مناخا ديمقراطيا للانتخابات، وبعد مشاورات مع الأحزاب السياسية التي أجمعت على هذا التاريخ”. وأشار إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضبطت روزنامة متكاملة لضمان تنظيم الاستحقاق الانتخابي في موعدها المحدد.
لكن ذلك لم يمنع الصحبي بن فرج من التشكيك في جدية هذا الموعد قائلا إن موعد 25 مارس 2018 “ليس ثابتا، وقد تم إسقاطه سياسيا على الأحزاب التي أكد عدد كبير منها أن المناخ العام في البلاد ليس مهيئا لإجراء هذه الانتخابات”.
وارتفعت حدة القلق لدى مختلف الأوساط السياسية خاصة بعد تصريحات جديدة لأنور بن حسن أعرب فيها عن خشيته من تأجيل موعد هذا الاستحقاق، وذلك خلافا لتصريحاته السابقة.
واعتبر في حديث نشرته الاثنين، صحيفة “الشارع المغاربي” التونسية أن هذه الخشية بدأت تتسلل أيضا إلى عدد من شركاء تونس الدوليين، ومنهم الاتحاد الأوروبي “الذي بدأ يشعر بقلق، ويتخوف من أن تتأجل الانتخابات إلى ما لا نهاية له”.
وساهمت هذه التصريحات في تزايد مخاوف الأوساط السياسية التونسية التي باتت تخشى أن يتحول تأجيل الانتخابات المحلية إلى ورقة مساومة بيد حركة النهضة الإسلامية التي تراجعت عن الإصرار الذي كانت تُبديه لإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده. وبدا هذا التراجع لافتا في تصريحات راشد الغنوشي خلال لقاء جمعه الأحد بعدد من الصحافيين، ألمح فيها إلى أن الانتخابات المحلية المُرتقبة قد لا تُنظم في موعدها، أي 25 مارس القادم.
وقال الغنوشي تعقيبا على تعثر البرلمان في انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات،”أصبح لدينا تخوف من ألاّ تجري الانتخابات البلدية في موعدها المقرر، ونخشى أن تقع أحداث تكون مبررا لتأجيلها”.
وأكد في المقابل، ما ذهب إليه أنور بن حسن فيما يتعلق بالقلق الذي بات ينتاب شركاء تونس، حيث قال ” لمست قلقا لدى أطراف غربية داعمة لتونس ولتجربة الانتقال الديمقراطي بسبب تأخر إجراء الانتخابات البلدية”.