تعيش تونس هذه الأيام على وقع الكشف عن شبكة تجسس لجهات أجنبية، تمكنت من اختراق أهم المؤسسات السيادية للبلاد، وفي مقدمتها رئاسة الدولة منذ العام 2011 إلى غاية 2017.
القصة هي عبارة عن سلسلة حلقات نشرتها صحيفة “الشروق” التونسية، تحدثت عن وجود شبكة تجسس أجنبية في تونس بإشراف رجل أعمال يحمل الجنسية الفرنسية على درجة عالية من الخطورة.
وكشفت الصحيفة بالاسماء والأدلة والبراهين تورط رجل أعمال أجنبي حامل للجنسية الفرنسية وعدد من السياسيين والنشطاء التونسيين في هذه الشبكة، معنيين بتتبع أخبار السياسيين والشخصيات النافذة في تونس.
لكن تقارير الصحيفة التونسية، المتتالية هذه الأيام، والتي ذكرت الأسماء المتورطة في هذه الشبكة بالأحرف الأولى، لم تشر إلى الجهة التي تعمل لصالحها هذه الشبكة، مما فتح المجال لتأويلات سياسية عديدة تتراوح بين تصفية الحسابات الداخلية إلى الاستهداف الإقليمي والدولي للديمقراطية وللإسلام السياسي.
وقد رأى الخبير بالشأن السياسي التونسي الإعلامي نصر الدين بن حديد في حديث مع “قدس برس”، أن “الحديث عن شبكة للتجسس في تونس ليس اكتشافا جديدا، وإنما هو عبارة عن إذاعة لأحاديث كانت تدور في الكواليس”.
ورأى ابن حديد أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات بين أجنحة السلطة في تونس، وأن “الأمر على ارتباط بالدولة والآلة الحاكمة وأكبر من نداء تونس”.
وأضاف: “نحن بصدد فرز نخبة سياسية جديدة، مثل الثعبان الذي يغير جلده، وهذا مرتبط بالاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة العام المقبل، وأيضا بالانتخابات البلدية في أيار المقبل”.
وأشار ابن حديد إلى أن “توريط بعض الأسماء في شبكة التجسس هذه، هو عبارة عن استخدام أدوات ناعمة لإبعادهم عن المحطات الانتخابية المقبلة”، على حد تعبيره.
أما القيادي في “نداء تونس” برهان بسيس، فقد نشر في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، بلاغا وصف فيه الحديث عن شبكة التجسس بأنه “زلزال سياسي حقيقي”.
وقال: “المشرف على الشبكة وهو رجل أعمال فرنسي اخترق مستويات الحكم العليا في تونس منذ 2011 إلى 2017 وتمكن من تجنيد شخصيات سياسية من أعلى مستوى كانت تمده بكل ما يجري في أعلى مستويات القرار السياسي في تونس سواء في قرطاج أو في القصبة”.
وأضاف: “مر (المشرف على الشبكة) من التجنيد من أجل الحصول على المعلومة الأمنية والسياسية إلى التجنيد من أجل الفعل في الحياة السياسية في تونس مساهما في نشأة وتأسيس بعض الأحزاب السياسية. استقطب مستشارا وآخرين من محيط الرئيس السابق المنصف المرزوقي بالأموال والهبات والعطايا ومستشارا سابقا وناشطا سياسيا وآخرين من محيط الرئيس الباجي قايد السبسي علاوة على قائمة من الموظفين السامين بمختلف الوزارات والشخصيات الناشطة في الأحزاب والمنظمات الوطنية”.
وأكد بسيس، الذي كان الجهة الإعلامية الأولى التي أعلنت أن الموساد الإسرائيلي هو من اغتال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، أنه يعرف الكثير من المتورطين في هذه الشبكة.
وفي مدينة جينيف السويسرية، رأى أنور الغربي مستشار الرئيس التونسي السابق للشؤون الدولية في حديث مع “قدس برس”، “أن الكشف عن الشبكة التي ضمت أسماء وازنة، هدفه ترذيل المسار الديمقراطي، والإيهام بأنه فاشل سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا”.
ودعا الغربي في حديث مع “قدس برس”، إلى “التحقيق في الأمر ومعاقبة من ثبت تورطه في شبكة تجسس لصالح قوى استعمارية”.
لكن الغربي رأى أيضا، أن “وجود مثل هذه الظواهر من شبكات التجسس له علاقة بالإرث الاستبدادي للنظام المخلوع”.
وقال: “هناك جهات معروفة تعمل على تخريب المسار الديمقراطي في تونس، وهذه الجهات معلومة ومعروفة للجميع، وعلى الدولة والحكومة أن تتخذ ما يجب من إجراءات، وإن كانت مؤلمة، لحماية مسار الانتقال الديمقراطي”.
وفي باريس اعتبر وزير أملاك الدولة السابق في تونس سليم بن حميدان في حديث مع “قدس برس”، أن “الحديث عن شبكة جوسسة في تونس بالغ الدقة والخطورة.
وقال ابن حميدان: “مؤامرة التجسس الكبرى التي تعرضت لها تونس تستوجب في نظري تسخير ثلاثة قضاة تحقيق على الأقل لمنع أي تلاعب بالمتورطين والاستماع والمحاضر والمآلات”.
وبينما لم يستبعد ابن حميدان منطق تصفية الحسابات بين عدد من الفاعلين في المشهد السياسي التونسي، لكنه أكد أن “كل من ورد اسمه في التقارير المنشورة يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يثبت العكس”.
وأشار ابن حميدان، إلى “أن عالم الجوسسة عالم غريب تتقاطع فيه كثير من المصالح والجهات”، مذكرا بـ “الوثائق التي سبق وتم نشرها بشأن ضلوع دولة الإمارات في محاولة إجهاض عدد من ثورات الر بيع العربي، سواء في مصر أو ليبيا أو اليمن أو تونس، وكذلك في انقلاب تركيا الفاشل”.
وأضاف: “هناك بعض الدول ساءها أن تنجح التجربة الديمقراطية في دولة عربية، كما يمكن أن يتقاطع مع الموساد الذي يقوم على بديهية تقول باستحالة التعيش بين الديمقراطية والإسلام السياسي، وهذه بديهية أظهرت التجربة التونسية عكسها”.
ولم يستبعد ابن حميدان، أن “يكون المستفيد من هذه الشبكة رجال أعمال معنيون باختراق مؤسسات الدولة والتحكم في خياراتها من أجل تحقيق امتيازات خاصة”.
وأضاف: “كما لا يستبعد أن هناك مافيا لها قدرة أقوى من الأحزاب والدول على اختراق الدول والمؤسسات الرسمية”.
وأكد ابن حميدان أنه “لا يستطيع أن يجزم في نهاية المطاف بأن هناك دولا بعينها تقف وراء هذا الشبكة”، لكنه أعرب عن ثقته الكبيرة بالقضاء التونسي، لكشف خيوط هذه الشبكة المؤامرة، بما يحمي المسار الديمقراطي ويرسخ أركانه”.