انطلاق معركة إعادة التموقع في المشهد السياسي مع اقتراب الانتخابات التونسية.
تونس - تسير الأزمة السياسية التونسية نحو الحسم لصالح رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعدما فشلت محاولات إقالته، وهو ما دفع قيادات سياسية فاعلة من التيار الحداثي الذي ينتمي إليه للاصطفاف إلى جانبه فيما خيّرت الوقوف ضد خصمه حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب نداء تونس الذي يريد إزاحته من الحكم.
وانتقد محسن مرزوق الأمين العام لحزب مشروع تونس، حافظ السبسي. وقال مرزوق لوسائل إعلام محلية إن “محاولة إقصاء يوسف الشاهد هو عمل ليس حكيما وليس شرعيا وليس مجديا”. ورأى أن “الشاهد طرف رئيسي وفاعل في تشكيل الحكومة وفي المعادلة الوطنية ولا يمكن التغاضي عن ذلك”، مضيفا “هذا ليس رأيا بل واقعا”.
واعتبر مراقبون تغير موقف محسن مرزوق الذي كان من بين المنادين برحيل الشاهد حتى وقت غير بعيد، دليلا على اقتناعه بأنه تحول إلى رقم صعب في المعادلة السياسية.
ويقول هؤلاء إن حكومة الشاهد تحولت إلى حكومة أمر واقع أمام انسداد المشهد السياسي، ففي الوقت الذي صمد فيه الشاهد في وجه دعوات الإقالة من حزبه ومن أحزاب معارضة ومن اتحاد الشغل القوي، لم يطرح معارضوه خيارات بديلة تنهي الأزمة. كما لا يبدو أن مصير الشاهد يشغل التونسيين بالقدر الذي تعنيهم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بهم منذ جانفي 2011.
ورغم ما راج مؤخرا عن توجه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى ممارسة صلاحيته الدستورية عبر الفصل 99 من الدستور الذي يسمح له بمطالبة رئيس الوزراء بعرض تجديد الثقة في حكومته على البرلمان.
إلا أن التوازنات الجديدة في البرلمان بعد انهيار حزب النداء الحاكم وتراجع كتلته لصالح كتلة جديدة وهي كتلة الائتلاف الوطني التي تدعم الاستقرار الحكومي على غرار دعم كتلة حركة النهضة للحكومة، تشير أن الحل الدستوري يصب بدوره في مصلحة رئيس الحكومة.
واعتبر مرزوق أن حل الأزمة السياسة بيد الشاهد إذ عليه الذهاب إلى البرلمان وإجراء تعديل وزاري، معبرا عن استعداده للمشاركة في الحكومة القادمة بعد انتهاء المشاورات.
وتكشف تصريحات مرزوق عن توجه العائلة الحداثية نحو دعم رئيس الحكومة، أمام ما يعانيه الحزب الحاكم (النداء) من موجة انشقاقات وحالة تصدع بلغت درجة المطالبة بعزل مديره التنفيذي والتمرد على نجل الرئيس.
ويشير اصطفاف التيار الحداثي إلى جانب الشاهد إلى أنه سيكون رهانه في المستقبل السياسي، إذ أدرك هذا التيار أن الشاهد ند قوي ليس من السهل محاربته أو إبعاده من السلطة، وبالتالي فهو القيادي الذي يستطيع أن ينافس حركة النهضة في السباق الرئاسي والتشريعي المقرر إجراؤه عام 2019.
وأقرت ليلى الشتاوي النائبة عن الكتلة الائتلاف الوطني ” بأن “هناك اصطفافا من العائلة الحداثية لحماية الحكومة لأسباب تراها موضوعية”.
وشرحت الأسباب بقولها “أزمة حزب النداء التي قادت إلى تشتت التيار الحداثي واختلال التوازن في البرلمان لصالح النهضة قادت إلى هذا الاصطفاف”. وأضافت “الاصطفاف مع حكومة الشاهد هو اصطفاف مع العائلة الوسطية ضد النهضة”.
وحزب نداء تونس، الذي فاز بانتخابات 2014 على حساب الإسلاميين، بات اليوم على مشارف أخطر انقسام بعد موجة استقالات أدت إلى ابتعاد الكثير من أعضائه، وإلى تقلص كتلته البرلمانية وخسارته الأغلبية.
وبيّنت الشتاوي أن التيار الحداثي يريد العودة إلى المراتب الأولى في الانتخابات القادمة، وانتبه إلى مدى التراجع الشعبي للنداء في الانتخابات المحلية الأخيرة أمام مخاوف من مكاسب انتخابية جديدة للنهضة في سباق 2019.
ولم تستعبد الشتاوي دعم التيار الحداثي للشاهد في حال ترشحه للانتخابات الرئاسية. ورأت أنه “قيادي شاب نستطيع أن نراهن عليه في الانتخابات القادمة”.
ويقول مراقبون إن تمسك اتحاد الشغل بالتصعيد ضد الحكومة من خلال إقراره إضرابا عاما يرهق داعمي الشاهد ومن بينهم حركة النهضة، إذ تحول التجاذب حول مصير الحكومة إلى عبء يثقل كاهلها.
وقال محمد صافي الجلالي، القيادي في حزب المبادرة إن “مصير حكومة الشاهد يحدده الاتحاد فقد بات لاعبا أساسيا في المشهد السياسي”. ولم ينكر الجلالي أن “الشاهد استطاع أن يوسع سنده السياسي بكتلة برلمانية تدعمه شخصيا”. واستدرك قائلا “هو دعم غير ثابت وقادر على أن ينقلب ضده في أي وقت”.
وأضاف الجلالي “لا نستطيع أن نثق كثيرا في المواقف السياسية فهي متغيرة على الدوام”. واعتبر أن “الساحة الحزبية هي المسؤولة عن إخلال التوازن في المشهد السياسي الذي يتغير بحسب أجنداتها ومصالحها”.