مرّ أكثر من 40 يوماً على مصادقة البرلمان التونسي على التعديل الوزاري الذي أدخله رئيس الوزراء، هشام المشيشي، على حكومته (27 جانفي)، لتراوح "أزمة اليمين الدستوري" مكانها منذ رفع الرئيس التونسي قيس سعيّد "فيتو" ضد مباشرة الوزراء الجدد مهامهم، بعدما رفض استقبالهم لأداء اليمين.
وتعمقت أزمة الحكم بسبب العناد السياسي وتمسك كل طرف بموقفه، إذ لم يلتق سعيّد والمشيشي ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، منذ أكثر من شهر ونصف.
وكان اجتماع مجلس الأمن القومي ليلة منح الثقة للحكومة آخر اجتماع بين الرئاسات الثلاث بتونس، وعكس بداية التوتر بسبب خطاب سعيّد الرافض للتعديل الوزاري بسبب ما وصفه بخروقات دستورية وشبهات فساد تلاحق وزراء، من دون أن يقدّم أي دليل على ذلك لغاية اليوم.
ودخلت أزمة الحكم في تونس مرحلة متقدمة لم تعرفها البلاد من قبل، تتسم ببرود سياسي يخفي نيران خلاف كبير، في ظل غياب التنسيق السياسي والحكومي، خصوصاً بين رأسي السلطة التنفيذية، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحرجة.
وقال المحلل السياسي ماجد البرهومي إن "المتسبب الرئيسي في الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد هو النظام السياسي الذي جاء به دستور 2014"، مشيراً إلى الثغرات التي يحملها النظام البرلماني المزدوج من تضارب صلاحيات وتنازع اختصاصات بين رأسي السلطة التنفيذية. واعتبر البرهومي أنه "لا يمكن لوم سعيّد المنتخب بشكل مباشر من الشعب ويرغب في لعب أدوار في الوضع الراهن، ولا يمكن لوم المشيشي الذي منحه الدستور صلاحيات، ومن حقه التقرب من الأحزاب السياسية الوازنة التي تمنح الثقة لحكومته ولتمرير المشاريع الحكومية".
وبيّن المحلل السياسي أنه "لو كان النظام السياسي برلمانياً صرفاً لما وقعنا في مثل هذه الأزمات، فالرئيس منتخب من البرلمان ودوره واضح"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن الحديث عن حلول قانونية في الوضع الراهن في غياب المحكمة الدستورية التي يصعب انتخابها واقعياً".
واعتبر البرهومي أن حركة "النهضة" تتحمّل جانباً من المسؤولية في الأزمة الحالية بسبب الخلافات الداخلية التي شقت صفوفها، ما أدى إلى سقوط حكومة الحبيب الجملي وخروج المبادرة عن ملعبها.
كما أن سعيّد يتحمّل جانباً من المسؤولية بسبب سقوطه في العداوات الشخصية وعدم اعتماده على منطق الدولة، على غرار ما حصل مع سلفه الراحل الباجي قائد السبسي الذي لم ينزلق في أتون ليّ الذراع مع رئيس الحكومة وقتها يوسف الشاهد، وفق البرهومي.
واعتبر المتحدث ذاته أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً بحوار بين أطراف الحكم، معبراً عن أمله في نجاح مبادرة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، والمنظمات الوطنية الأربع، وربما يمكن توسيعها لتمتين الحزام الراعي للحوار من قبل منظمات المجتمع المدني.
وحذّر من سيناريوهين اثنين في ظل تواصل الأزمة، أولهما الفوضى وانتفاضة الشعب التي قد تقلب كل موازين المشهد السياسي، أو التدخل الأجنبي على غرار ما يحدث في دول الجوار مع الأنظمة الهشة والدول الرخوة حيث تتحرك القوى الكبرى لحماية مصالحها، آملاً ألا يحدث هذا في تونس وأن يتنازل جميع الأطراف لتجاوز الخلافات.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب أن "أزمة الحكم أخذت انعطافة خطيرة وأن سعيّد والمشيشي يدوران في حلقة مفرغة دون أي مؤشر لنهاية المنعرج".
وتابع المؤدب، "ازدادت الأزمة حدة بسبب تصعيد سعيّد في موقفه، فلم يعد مطلوباً من المشيشي الاستغناء عن التعديل الوزاري أو التخلي عن الوزراء الموصومين بشبهات الفساد بل أصبح سعيّد يطلب رأس المشيشي ويطالب بتغييره، بحسب ما نقله الطبوبي".
ولفت إلى أن المشيشي بدوره "يرفض التنحي عن منصبه، وقد أكد ذلك في أكثر من مناسبة بل إنه اختار بدوره التصعيد من خلال تشبيه سعيّد بدونكيشوت الذي يصارع طواحين الهواء ويحارب المجهول".
واعتبر المؤدب أن "جميع محاولات رأب الصدع بين رأسي السلطة التنفيذية باءت بالفشل، وكل محاولات إذابة الجليد بينهما غير ممكنة بسبب رفض سعيّد الجلوس إلى طاولة الحوار، على الرغم من دعوات الغنوشي لعقد جلسة بين قيادات البلاد"، مضيفاً أنه "لا يمكن المرور نحو انفراجة في الأزمة ما دام هناك طرف يرفع فيتوات قبل بداية الحوار، كما لا يمكن حل هذه الأزمة بلا حوار".
ولفت إلى أن تبعات تواصل العناد السياسي وسياسة ليّ الذراع بين القيادة السياسية ستعود على البلاد بالويلات، خصوصاً في ظل تنامي الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وما رافقها من مؤشرات سلبية تناقلتها وكالات التصنيف السيادي على غرار "موديز" وتقرير صندوق النقد الدولي.