التعديل الوزاري مدعوم من النهضة وكتلة الائتلاف الوطني، ونداء تونس يواجه المزيد من الاهتزازات الداخلية.
تونس - يعقد مجلس النواب التونسي، الاثنين، جلسة عامة ستُخصص لمنح الثقة لتشكيلة الفريق الحكومي الجديد والتي أعلنها الأسبوع الماضي، رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وسط مخاضات معركة سياسية وقانونية صعبة ومُعقدة، تُنذر بأجواء تصعيدية باتت تُخيم على البلاد التي تمر بمرحلة هي الأكثر خطورة ومدعاة للقلق.
وتتطلع الأوساط السياسية التونسية إلى أن تُساهم نتائج هذه الجلسة البرلمانية في تسهيل تلك المخاضات، عبر تفكيك عناصر الأزمة، أو على الأقل تحديد الاتجاهات العامة لمسار الأزمة الراهنة، التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من سبعة أشهر.
وفرضت رهانات الاستحقاقات الانتخابية للعام 2019، التي أصبحت من أولويات جميع أطياف المشهد السياسي، على هذه الأزمة ضغوطا إضافية أملتها الحسابات المُتباينة، تجعل من تلك التطلعات صعبة التحقيق، خاصة وأن أطراف الصراع في هذه المعركة استنفرت كافة الأدوات والوسائل لخوضها، حتى بات المشهد وكأنه يتحرك وسط متاهة البحث عن حل مفقود.
كما ألقى تعدد المُقاربات، بسلسلة من الألغام السياسية التي جعلت البلاد لا تكاد تخرج من أزمة حتى تقع في أخرى، ومع ذلك يندفع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، واثقا نحو البرلمان لخوض هذه المعركة، مدعوما بحركة النهضة الإسلامية، وكتلة الائتلاف الوطني، وبعض المُستقلين.
غير أن مصطفى بن أحمد، رئيس كتلة “الائتلاف الوطني” (40 نائبا) المحسوبة على يوسف الشاهد، يرى عكس ذلك، حيث لم يتردد في التقليل من حجم تلك المخاوف، التي ترافقت مع إدراك عام بخطورة الغايات والأهداف السياسية الكامنة وراء خلفيات ودوافع هذا الصراع الذي يدفع بالأوضاع في البلاد إلى درجة عالية من التوتر الذي قد يجعل تفاؤل البعض بإمكانية إنهاء هذه الأزمة مجرد سراب خادع.
وقال ان عقد الجلسة البرلمانية العامة لمنح الثقة للتشكيلة الحكومية الجديدة برئاسة يوسف الشاهد، “هو بداية نهاية الأزمة الراهنة، من خلال ترسيخ المسار الدستوري، عبر تكريس المُمارسة الديمقراطية التي من شأنها صيانة الانتقال الديمقراطي في البلاد”.
وأكد أن المؤشرات الموضوعية تدفع كلها باتجاه حسم مسألة منح الثقة للفريق الحكومي الجديد الذي جاء به التعديل الوزاري والذي أعلنه يوسف الشاهد، حيث يُنتظر أن يُصوت لصالحه ما بين 115 و120 نائبا، من إجمالي 217 نائب.
وتلتقي حركة النهضة الإسلامية (68 نائبا) مع هذا الطرح، حيث اعتبر عماد الخميري، الناطق الرسمي باسمها، أن التعديل الوزاري المذكور “يحمل في طياته مصلحة وطنية عليا، واستقرارا سياسيا واجتماعيا، وأن ما أقدم عليه يوسف الشاهد سيمنح بلادنا جرعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتوفير المناخات الملائمة للانتخابات القادمة”.
ولم يستبعد بن احمد حصول مفاجآت أخرى خلال عملية التصويت، منها انضمام عدد من النواب الآخرين إلى دائرة دعم الحكومة، وربط ذلك بـ“حالة التخبط والارتباك” التي دخلتها حركة نداء تونس التي سبق لها أن وصفت التعديل الوزاري المذكور بأنه “انقلاب على الدستور والديمقراطية في البلاد”.
وأستند في ذلك، إلى استقالة منجي الحرباوي، القيادي في حركة نداء تونس قبل أقل من 48 ساعة على بدء الجلسة البرلمانية العامة، قائلا لـ“العرب”، إن تلك الاستقالة هي علامة على تخبط وارتباك حركة نداء تونس، وتؤشر إلى أن الأزمة التي تعصف بهذه الحركة ستستفحل أكثر فأكثر في قادم الأيام”.
وكان الحرباوي، فاجأ المتابعين لتطورات هذه المعركة السياسية، بإعلان استقالته من حركة نداء تونس، وذلك في خطوة لافتة في توقيتها الذي جاء قبل نحو 48 ساعة من بدء البرلمان في مناقشة منح الثقة للوزراء الجدد في التشكيلة الجديدة للفريق الحكومي ليوسف الشاهد، البالغ عددهم 13 وزيرا.
وفي تدوينة نشرها ليلة السبت- الأحد، في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أعلن الحرباوي عن انسحابه من حركة نداء تونس، حيث كتب “النداء لم يعد النداء، وأصبح ضجيجا وصراخا ونشازا”.
ولم يوضح أسباب هذا الانسحاب ، واكتفى بالقول “انتهى الحلم… توقف النداء عن النداء فينا… لن أكون غير أنا”، لتُشكل هذه الاستقالة بمضامينها السياسية في هذا التوقيت المشحون بالتجاذبات الحادة، رسالة تعكس القلق المتنامي من التداعيات التي أفرزتها المعركة السياسة.
وتزيد من حدة ذلك القلق الأنباء التي تواترت حول تزايد الخلافات داخل حركة نداء تونس بعد أن خسرت الطعن القانوني والدستوري الذي تقدمت به لمنع عقد جلسة برلمانية عامة لمناقشة منح الثقة للفريق الحكومي الجديد.
وتتوازى مع تلك الاستقالة والقلق المرافق لها، تسريبات أخرى بدأت تخرج من نطاق الهمس إلى العلن، مفادها أن استقالات أخرى من الكتلة النيابية لحركة نداء تونس (51 نائبا)، سيتم الإعلان عنها خلال الفاصل الزمني الذي يسبق بدء الجلسة البرلمانية العامة.
ومع ذلك، لا يبدو أن حركة نداء تونس، ستنسحب من هذه المعركة التي فرضها التعديل الوزاري الجديد، حيث جددت التأكيد على ضرورة استقالة وزرائها من الفريق الحكومي ليوسف الشاهد، وذلك في الوقت الذي يُنتظر فيه إقدام الكتلة النيابية لهذه الحركة على مقاطعة الجلسة البرلمانية العامة.
واعتبر مصطفى بن أحمد أن “الاهتزازات العنيفة داخل حركة نداء تونس تجعلها لن تتوقف عن التشويش على سير عمل المؤسسة التشريعية، وأن مقاطعة الجلسة العامة إن تمت، ستكون خطوة خبيثة، لكنها لن تؤثر في نتيجة التصويت”.
الجمعي قاسمي / صحافي تونسي