تعيين وزير يهودي في الحكومة التونسية يثير جدلا كبيرا بين السياسيين، حيث وجه بعضهم انتقادات لرئيس الحكومة فيما رحّب أبناء الطائفة اليهودية بالقرار.
تونس- صوّت البرلمان التونسي الاثنين، بالأغلبية المطلقة على منح الثقة للأعضاء الجدد في حكومة يوسف الشاهد المعينين في التعديل الوزاري الأخير.
وأثار تعيين وزير يهودي في الحكومة التونسية جدلا كبيرا في تونس، حيث وجه بعض السياسيين انتقادات لرئيس الحكومة، كما قرر أحد النواب “الطعن” في هذا القرار، فيما رحّب أبناء الطائفة اليهودية بالقرار، مذكّرين بالجهود التي بذلها الوزير الجديد لإنعاش السياحة التونسية بعد الثورة.
واتهمت العديد من الأطراف رونيه الطرابلسي، إما بتضارب المصالح على خليفة اشتغاله بالحقل السياحي، وإما على خلفية اتهامه بالتطبيع مع الصهاينة الإسرائيليين.
وفيما رحبت الطائفة اليهودية في تونس بتعيين الطرابلسي على رأس وزارة السياحة، أكد النائب بالبرلمان التونسي ياسين العيّاري أنه سيطعن في ترشح رونيه الطرابلسي أمام المحاكم. وقال “سأطعن في ذلك، ليس لأنه يهودي فتلك أمور تخصه، بل لتضارب المصالح، وزير السياحة المقترح يملك وكالات سفر”.
وأضاف “إذا أراد الشاهد أن يعمل على ‘إغراء’ بعض الدوائر في الخارج، فعليه أن يفعل ذلك بنقوده ومصالحه، وليس بنقود ومصالح دافع الضرائب”. ويواجه وزير السياحة الجديد في تونس المنحدر من الأقلية اليهودية رونيه الطرابلسي تحديا مزدوجا يتمثل في إنعاش قطاع السياحة في البلاد، وكسب ثقة جانب من التونسيين المتحفظين على قرار تعيينه.
وانضم رونيه إلى التشكيل الحكومي، كأول وزير ينحدر من الأقلية اليهودية بعد نحو ستة عقود، وهو الثالث منذ بناء دولة الاستقلال، بعد الوزيرين ألبير باسيس الذي تولى حقيبة وزير الإسكان عام 1955 وأندريه باروش الوزير المكلف بغرفة التجارة عام 1956.
وكان الوزيران من بين نواب المجلس الوطني التأسيسي، الذي صاغ أول دستور للبلاد إبان استقلال تونس عن فرنسا عام 1956. وفور مصادقة النواب على تعيينه في البرلمان، قال رونيه “هو يوم تاريخي، أعمل منذ 20 عاما في القطاع السياحي بتونس، واليوم لدي أفكار جديدة، سيكون هناك تغيير وآمل أن نقدم في هذا الوقت القصير ما يفيد البلاد”.
ولا تتعدى معرفة التونسيين برونيه، كونه رجل أعمال يهودي مقيم بفرنسا، وهو نجل بيريز الطرابلسي رئيس هيئة معبد الغريبة الشهير بجزيرة جربة، الذي يشهد احتفالات دينية، ويحج إليه اليهود من أنحاء العالم، ويؤمّن رونيه جزءا من رحلات السياح اليهود عبر وكالات أسفاره بفرنسا.
وستكون أمام الوزير الجديد مدة تقارب العام لمنح دفعة جديدة للقطاع السياحي ووضع خبرته المهنية موضع اختبار، ورغم أنه يفتقد لشهادات جامعية، إلا أن الطرابلسي لا يتحرج من ذلك، ويجد في أفكاره وخبرته الطويلة خير تعويض للتكوين الجامعي.
ويقول الوزير بشأن ذلك “لست متحرّجا من هذه المسألة، أعرف الكثير ممن نجحوا في فرنسا اعتمادا على شجاعتهم وأفكارهم”. وكشف رونيه عن خطة عمل مبدئية لتطوير الأداء السياحي بالتوجه إلى السياحة الثقافية والرياضية والصحراوية في فترة الركود بموسم، وأوضح “نعتبر الموسم السياحي هذا العام ناجحا، والهدف في 2019 هو الوصول إلى تسعة ملايين سائح”.
لكن بخلاف التحدي الذي يواجهه الوزير، فإن المهمة الأصعب بحسب المتابعين، هو كسب ثقة جميع التونسيين في ظل التحفظ بشأن ارتباطات محتملة له مع منظمات صهيونية ومع دوائر إسرائيلية، وهي مسألة ذات حساسية في تونس.
وقبل جلسة التصويت في البرلمان، قادت منظمات وشخصيات يسارية وقومية مناهضة للتطبيع مع إسرائيل، وقفة احتجاجية للاعتراض على تعيين رونيه بدعوى قربه من إسرائيل، وهو ما ينفيه الوزير بشدة.
وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في رده على اتهامات حول التطبيع، إن حكومته ملتزمة بموقف تونس تجاه القضية الفلسطينية وبدعم الفلسطينيين في حقهم في إقامة دولة مستقلّة، معتبرا أن كل مزايدة في هذا المجال غير مقبولة.
وبخصوص تضارب المصالح بتعيين رونيه الطرابلسي وزيرا للسياحة، أكد الشاهد أن الطرابلسي استقال من كل مهامّه الخاصة تجنّبا لتضارب المصالح، وفق تعبيره. فيما قال رونيه في نفس السياق “أنا تونسي وأحب بلدي ولا تهمني المزايدات”.
وكان عدد اليهود في تونس حتى خمسينات القرن الماضي يبلغ أكثر من 100 ألف نسمة، غير أن عددهم تقلص تدريجيا مع اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية، وهاجر أغلبهم إلى فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل.
ولا يوجد من اليهود اليوم في تونس سوى 2500 نسمة، يعيش أغلبهم في جزيرة جربة، لكن الأقلية اليهودية تملك بصمة واضحة في تونس سواء في قطاع الأعمال أو العادات الثقافية أو عبر النخب اليهودية الناجحة في عدة قطاعات.