أطلق متساكنو مدينة باردو التابعة إداريا لولاية تونس صرخة فزع نتيجة الوضع البيئي الكارثي الذي تشهده منطقتهم التي باتت حاضنة لعدد لا يحصى من النقاط السوداء، وأصبح تكدّس الفضلات والروائح الكريهة، بالإضافة إلى البنية التحتية المهترئة السمة الأبرز لها، فلم تشفع لها عراقتها التاريخيّة ولا احتضانها لبرلمان الشعب ولا حركيتها الاقتصاديّة في أن تحظى بإحاطة واهتمام مختلف المصالح المتداخلة وذلك وفق ما ورد في تصريحات متطابقة لـعدد من قاطني هذه المنطقة لوكالة تونس افريقيا للانباء.
وعبّروا عن تذمرهم لما آلت إليه الاوضاع في منطقتهم أين تتكدس أكوام القمامة بروائحها الكريهة ومختلف أنواع الحشرات حولها لتصبح مرتعا للقطط والكلاب السائبة، مؤكدين أن الوضع أصبح يمثّل خطرا على سلامتهم وصحتهم.
تقول فاطمة (68 سنة) متقاعدة وتقطن منطقة الحنايا بباردو منذ سنة 1980، "أصبح من الصعب عليّ التعرّف على المنطقة التي عشت فيها لأكثر من 40 سنة، فبعد أن كانت الحنايا قبلة للرحلات الاستطلاعيّة ومحطة تقف عندها الحافلات السياحيّة ومثالا يحتذى في النظافة أصبحت الآن مصبا للنفايات على امتدادها من مستوى باب سعدون إلى مدخل شارع الحبيب بورقيبة أين تنتصب سوق عشوائية والتي عمّقت الأزمة البيئية بما تخلّفه من فضلات وروائح كريهة.
ولا تقتصر الأزمة، وفق فاطمة، على القمامة بل تتجاوزها وتتقاطع مع إشكال التطهير حيث تشكو المنطقة من فيضان البالوعات على امتداد السنة وما ينجر عنها من روائح ومياه آسنة اختلطت بالفضلات لتخلق وضعا بيئيا كارثيا، ما فتئ سكان المنطقة يخطرون البلدية حوله عن طريق العرائض والشكايات دون أن يتحصلوا على إجابة شافية أو استجابة ضافية بالتدخل وإصلاح الأعطاب وجمع القمامة، مضيفة قولها " يحزنني أن أمنع أحفادي عن زيارتي حتى لا يجبروا على السير فوق مياه البالوعات واستنشاق الروائح الكريهة".
وحنايا باردو عبارة عن شبكة نقل لمياه للري أو للشرب عن طريق سواق عالية بناها الرومان في الفترة ما بين 117 و138ميلاديا، انطلاقا من منبع مياه جبل زغوان إلى مدينة قرطاج التي كانت مركز الحكم آنذاك.
وانضمت شبكة قنوات مياه زغوان إلى قائمة مواقع التراث العالمي في تونس سنة 2012 ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو.
وفي هذا الصدد، يقول عضو جمعية البيئة والتهذيب، سفيان بوسعادة، لـ"وات"، إنه من المخزي أن يعيش معلم تاريخي يشهد على عراقة الموروث الحضاري لبلادنا إهمالا مماثلا، وتدهورا بيئيا كارثيّا، وفق تعبيره، مشدّدا على تهاون بلديّة باردو في العناية به وتنصلها من واجب رفع الفضلات وجهر البالوعات وما تسببه مياهها من أضرار للطريق التي اجتاحتها الحفر وأصبح السواق يتفادونها ما خلق اختناقا مروريا في الشوارع والأنهج المجاورة.
ودعا بوسعادة المعهد الوطني للتراث ووزارة الثقافة إلى التدخل لتثمين هذا الصرح التاريخي والضغط على بلدية المكان حتّى تتعهد محيطه، مقترحا أن تدرج وزارة السياحة هذا المعلم ضمن مسلك سياحي يضم المتحف الوطني والقصر السعيد الذين يشكوان بدورهما من نقاط سوداء في محيطهما. وتسعى بما لديها من إمكانيات إلى معاضدة مجهودات النهوض بالمنطقة بيئيا.
وأكد المصدر ذاته أنّ الإشكال لا يقتصر على منطقة الحنايا بل يمتد على كامل منطقة باردو فلا يكاد يخلو نهج أو شارع فيها من منطقة سوداء، حيث تشكو أغلب المنشآت المنتصبة فيها من تكدّس الفضلات حولها على غرار المكتبة العموميّة بخزندار وتفقدية التربية بالقرب من مدرسة نهج البرتقال، إلى جانب معهد باردو وعدد من المدارس الابتدائية الخاصّة، وجامع ومستوصف حيّ فطومة وجامع 20 مارس، فضلا المسبح البلدي المتوقف عن النشاط منذ سنة 2017 دون سبب معلوم، على حدّ قوله.
وأشار إلى الاختناق المروري وحالة الفوضى التي تعاني منها المنطقة بسبب استغلال الملك العمومي من قبل أصحاب المقاهي والمطاعم، وهو ما يظهر جليّا على مستوى شارع الحبيب بورقيبة وهوالشارع الرئيسي للمدينة حيث تنتشر كراسي وطاولات المقاهي والمطاعم على الأرصفة.. ويجد المترجل نفسه مجبرا على السير على الطريق المعبّدة ما يخلق حالة من الفوضى ويعطّل حركة المرور، فضلا عما تسبّبه من إزعاج للمتساكنين حتى ساعات متأخرة من الليل.
وفي هذا السياق، طالب بوسعادة البلدية بمراقبة أصحاب المحلات وإنفاذ القانون عليهم مع تقنين عملية إسناد الرخص وتنظيمها بشكل يجنّب أي إشكال مروري، ويقلق راحة المتساكنين.
وأضاف أن جمعية البيئة والتهذيب ستنفذ يوم 29 أكتوبر المقبل وقفة احتجاجيّة أمام مقر البلدية دعت لها متساكني المنطقة وعدد من مكوّنات المجتمع المدني من أجل التنديد بتراخي البلدية في القيام بدورها من حيث رفع الفضلات وجهر البالوعات وصيانة الطرقات ومداواة الحشرات وايجاد حلول لمعضلة الكلاب السائبة، ملوّحا بالتصعيد في حال لم تتم لاستجابة لمطالبهم من خلال الاحتجاج أمام مقر ولاية تونس والدخول في اعتصام مفتوح.
وات