المخاوف من انهيار الحكومة تدفع رئيس الحركة راشد الغنوشي للتنصل من رئاستها.
تونس- يثير تمسك حركة النهضة الإسلامية برئاسة الحكومة التونسية تساؤلات بشأن ما إذا كانت الحركة جدية في اتخاذ هذا القرار أم أنه تكتيك تفاوضي للظهور في ما بعد بصورة المتنازل في سبيل “التوافق”.
وأقر مجلس شورى حركة النهضة الذي أنهى اجتماعات دورته العادية الـ32 لتحديد سياسة الحركة في التفاوض مع الأطراف الفائزة في الانتخابات التشريعية لتشكيل الحكومة الجديدة، صباح الأحد، بعد نقاشات وُصفت بـ”الصاخبة” شارك فيها بمداخلات “حادة” أكثر من 100 عضو من أصل 150، أن يكون رئيس الحكومة التونسية القادمة من داخل الحركة.
وأكد معز بلحاج رحومة عضو مجلس شورى النهضة، والنائب البرلماني المنتخب حديثا، في تدوينة نشرها في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن مجلس الشورى “قرر فجر الأحد، أن تكون رئاسة الحكومة حصريا لأحد قيادات حركة النهضة”، لكنه امتنع عن الإشارة إلى ما إذا كان تم طرح أسماء لتولي هذا المنصب أم لا.
غير أن مصادر مقربة من المكتب السياسي لحركة النهضة أكدت أن مجلس الشورى قرر أيضا خلال هذا الاجتماع الذي عقد في مدينة الحمامات تشكيل لجنة من خمسة أعضاء لمساندة لجنة التفاوض مع الأحزاب لتشكيل الحكومة التي أقرها في وقت سابق المكتب التنفيذي للحركة، الذي أسند رئاستها إلى راشد الغنوشي.
واعتبرت أن اللافت خلال هذا الاجتماع، هو ترحيل مسألة تحديد اسم القيادي الذي سيُكلف بمهمة رئاسة الحكومة إلى اجتماع سيُعقد في وقت لاحق، نتيجة ما وصفته بـ”تباين المواقف، وارتفاع عدد الذين أبدوا رغبتهم في تولي هذا المنصب، منهم الأمين العام للحركة، زياد العذاري، وكذلك عبداللطيف المكي، ومحمد بن سالم، ونورالدين البحيري”.
ترحيل مسألة تحديد اسم القيادي الذي سيُكلف بمهمة رئاسة الحكومة إلى اجتماع سيُعقد في وقت لاحق
ورأى مراقبون أن هذا الترحيل ينطوي على مفارقات عديدة، كما يعكس حالة الارتباك التي تعيشها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، الذي يبدو أنه فضل الهروب من تحمل المسؤولية، لاسيما وأن النظام الداخلي للحركة ينص على أن يترشح رئيسها، أي الغنوشي لكل المناصب العليا بالدولة، أو أن يزكي مرشحا آخر، وهو ما لم يفعله.
ويؤشر هذا الموقف إلى سعي الغنوشي الذي يستشعر قلقا متزايدا، إلى محاولة التنصل من تبعات نفق البحث عن تفاهمات تُوصف بالصعبة للوصول إلى تشكيل حكومة جديدة في الآجال التي يضبطها الدستور، أي في غضون شهر من تكليف الرئيس المُنتخب الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة.
ومع ذلك، اعتبر الناشط السياسي، المحامي، عماد بن حليمة، أن موقف الغنوشي “ليس سوى مناورة سياسية جديدة، وورقة تفاوضية ستُطرح خلال المشاورات مع الأحزاب تريد من خلالها النهضة توظيفها عندما تقرر التخلي عن تعيين أحد قادتها لتولي رئاسة الحكومة الجديدة”.
وقال إن قرار مجلس شورى حركة النهضة أن يكون رئيس الحكومة القادم من داخلها “لا جديد فيه، وهو تفسير الماء بالماء، على اعتبار أن لوائحها الداخلية تنص على ذلك”، لكن الجديد بالنسبة له هو إبقاء الباب مفتوحا أمام إمكانية التراجع عن هذا القرار للظهور في صورة الحركة الحريصة على تكريس سياسة الشراكة مع بقية الأحزاب.
وتابع “هذا الموقف يعكس أيضا احتدام صراع الأجنحة داخل الحركة” معتبرا في نفس الوقت أن الغنوشي “لن يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، لأنه يدرك أن الحكومة القادمة لن تصمد أكثر من ستة أشهر، وأنه إذا قبل ذلك، فإنه سيفقد صفته كنائب برلماني منتخب، وبالتالي سيفقد الحصانة التي يبحث عنها، خاصة وأن العديد من القضايا تلاحقه في علاقة بملف الجهاز السري، والاغتيالات السياسية”.
وتشاطر هذا الرأي، العديد من القراءات السياسية التي تذهب إلى القول إن قلق الغنوشي فعلي، قد أملته جملة المتغيرات السياسية التي جاءت بصيغة الإقرار المسبق بأن تداعيات وانعكاسات المأزق الراهن لحركة النهضة فاقت قدرتها على تحملها، أو حتى احتواء تبعاتها والتقليل من وطأتها.
ودفع ذلك القلق حركة النهضة إلى التهديد بالعودة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في العام 2020 في صورة عدم توفقها في تشكيل حكومة جديدة، وذلك في مسعى لخلط الأوراق، وفتح سجالات جديدة تعيد بها تطويق مأزقها المتفاقم بحثا عن مخرج يمكنها من إعادة ترتيب الأولويات عبر تراجعات في مواقفها السياسية.
ويُنظر إلى ما أقدم عليه الغنوشي على أنه مقدمة للتمهيد لتلك التراجعات المرتقبة التي تتصل بسياق الرهانات التي تتحرك حركة النهضة وفقها بمعطياتها المتقلبة، ذلك أن الحكومة المرتقبة تحتاج إلى حزام برلماني تستند عليه، وهو أمر تبدو حركة النهضة عاجزة عن توفيره الآن، وبالتالي، فإن تلك التهديدات لا تخرج عن دائرة التكتيك التفاوضي.
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي