إشاعات واتهامات تنقل الصراع السياسي والرياضي من الواقع إلى العالم الافتراضي.
تونس - يثير ما يعرف بـ”الذباب الإلكتروني” جدلا واسعا في الأوساط التونسية على اختلاف مجالاتها السياسية والرياضية والثقافية والإعلامية، حيث أصبحت صفحات الفضاء الافتراضي فيسبوك مجالا للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة لجس النبض في الشارع بخصوص رد فعل المواطنين في علاقة بالأحداث والمستجدات اليومية، وهو ما خلق مساحة جديدة لتشويه الخصوم وبثّ الإشاعات وتداول الأخبار الزائفة بهدف تصدّر المشهد وتحقيق مصالح شخصية.
ولا يقتصر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي على العمل الحزبي والسياسي، على غرار الصفحات السياسية المأجورة التي تسعى لشيطنة الخصوم والتسويق لصور بعض القيادات، أو التأثير على توجهات الناخب، بل اقتحمت أيضا الصفحات الرياضية والفنية والثقافية، فضلا عن استهداف الحياة الشخصية للفنانين وصانعي المحتوى، في خطوة تنقل الصراعات والخلافات من الواقع إلى العالم الافتراضي.
وأفاد الشاعر والملحن التونسي حاتم القيزاني بأن:
المجتمع التونسي لم يكن مؤهلا لقبول هذه المستجدات على مستوى الإعلام والتواصل، ما أنتج نوعا من التصادم لأن هذه الوسائل تتيح مساحة واسعة من الحرية وفيها أيضا الكثير من الأشياء السيئة.
وأضاف:
الناس أصبحوا يستعملون كل الطرق للكسب المادي مقابل غياب القيم، وهناك ظواهر افتراضية جديدة ودخيلة على المجتمع التونسي تحكمها قوانين دولة (الفيسبوك)
وتابع القيزاني:
هناك من يلتجئ إلى المساومة والابتزاز وهتك الأعراض عبر السب والشتم والثلب وإشاعة الأخبار الزائفة في الأوساط الفنية والثقافية عموما، ووسائل الإعلام أيضا أصبحت تستعمل هذه الصيغ كطرق تسويقية جديدة”، قائلا “اليوم يمكن التسويق لشخصية عامة على كونها مؤثرة بينما يغيب أهل التخصص في ذلك المجال، كما تنتصب المحاكم الافتراضية على الفيسبوك خصوصا في ما يتعلق بالجانب السياسي.
وترى أوساط سياسية أن الذباب الإلكتروني اقترن أساسا بالنشاط الحزبي والسياسي، حيث تحاول أطراف معينة السيطرة على آراء الناس لتوجيههم بما يلائم مصالحها السياسية، ومن يريد تصفية الحساب مع خصومه يطلق ذبابه.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي:
المشكلة انطلقت مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكن مع الأسف التشريعات لم تواكب هذا التطور، وأصبح الفضاء الافتراضي سلاحا قذرا واستراتيجيا لبعض الدول خصوصا في مسألة التأثير على توجهات الناخبين.
وأكّد:
الفيسبوك أصبح الملاذ الأول لتلك الممارسات على غرار هتك الأعراض وفبركة الأخبار الزائفة والصور والفيديوهات، هناك عدة جرائم إلكترونية وهناك صفحات خارجية أيضا تعمل على التحشيد الإلكتروني وخصوصا في التأثير على الناخب أو توجيه الرأي العام السياسي.
وعرف الصراع السياسي في تونس جملة من الانحرافات غذتها الاتهامات والمناكفات، باعتماد صفحات الأحزاب ومواقعها على الإنترنت، والتسويق لأخبار زائفة وتشويه الخصوم وإضعافهم.
وفي وقت سابق أثارت تصريحات الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نورالدين الطبوبي حول الذباب الإلكتروني جدلا حول الصفحات الاجتماعية التي تستخدمها الأطراف السياسية للنيل من خصومها عبر بث جملة من الشائعات.
وقال الطبوبي:
مهما كان ذبابكم لضرب الاتحاد، نحن صامدون وثابتون”، مشيرا إلى أنه “بعد الثورة قام الذباب الأزرق بشيطنة الاتحاد واليوم هناك ذباب آخر يُشيطن المنظمة.
وسبق أن اتهم غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي من سماهم بـ”الذباب الأصفر” بالعمل على تشويه كل من يخالف آراء الرئيس قيس سعيّد.
وكتب على صفحته في موقع فيسبوك:
كنا نعاني من الذباب البنفسجي (أنصار نظام زين العابدين بن علي) والذباب الأزرق، اليوم أصبحنا نعاني كذلك من ذباب الحشد الشعبي باسم ‘الشعب يريد.
وطالت الممارسات الافتراضية التي تهدف إلى فرض سيطرة بعض الأطراف المجال الرياضي وأصبح هناك تداخل واضح بين الرياضة والسياسة، حيث تقلّدت بعض الشخصيات مناصب رؤساء جمعيات أو مسؤولين في النوادي واستعمالها كجسر للوصول إلى أهداف سياسية، ولعبت الصفحات المأجورة والتحشيد الإلكتروني دورا مهما في ذلك.
وأفاد نبيل خيرات وهو رجل قانون وإعلامي تونسي بأن:
وسائل التواصل الحديثة تسببت في هذه الظواهر، والشاشة التقليدية أصبحت في تراجع مستمر، حيث بات الفيسبوك وكل وسائل التواصل شديدة التأثير خصوصا في الأحداث الرياضية والفئات الشبابية من 15 إلى 40 سنة.
وأضاف:
أصحاب النوايا السيئة يستعملون ذلك للتأثير في القرار لضرب لاعبين ومدرّبين وتصفية حسابات مع بعض الأطراف، وتحقيق أرباح معيّنة، عبر صفحات مأجورة.
وتابع خيرات:
هناك عملية تسويقية واقتصادية بالأساس، وهناك نظام كامل لتسويق صورة أو ضرب أخرى وتقديم البعض كمنتوج مهم في المجال”، لافتا “الصحافة الورقية الآن لم تعد مقروءة بالشكل المطلوب وأخذت مكانها الصفحات الإلكترونية.
واستطرد:
هناك نواب ومدربون ورؤساء جمعيات لا يملكون الكفاءة، وسوق الفيسبوك أصبح يبني القرار ويمكن أن يقيل مدربا، على غرار الأسعد الدريدي المدرب السابق لفريق النجم الرياضي الساحلي، ومن بعده المدرب الفرنسي لنفس الفريق روجي لومار الذي أقيل بسبب تصريحاته.
ويمسّ تواتر عمليات السب والشتم والقذف والتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي من سلامة بعض الأشخاص.
وأفاد المحامي ياسين اليونسي أن:
الفصل 86 من مجلة الاتصالات ينص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مئة إلى 1000 دينار تونسي لكل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحته عبر شبكات عمومية للاتصالات.
وأوضح اليونسي في تصريح لإذاعة محلية أن هذه العقوبة تنطبق على الإرساليات التي تأتي عبر الهواتف أو عبر الفيسبوك والتي فيها مس أو هتك للأعراض.
وتم في وقت سابق اقتراح قانون الجرائم السيبرانية لتنقيح هذا القانون سنة 2010 إلا أنه لم يتم التصويت عليه باعتبار أن لجنة الحقوق والحريات صلب البرلمان تطالب بصياغة فصول أخرى تتماشى مع حرية الأشخاص.
وينصّ المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر في فصله 54 على تسليط خطية مالية من 2000 دينار إلى 5000 دينار (680 - 1700 دولار) على كل من يتعمد نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام.
خالد هدوي
صحافي تونسي