قيس سعيد يلتقي قيادات اتحاد الشغل في إشارة إلى أنه ليس معزولا ولا متفرّدا بالرأي.
تونس- وجه القضاء التونسي إلى رئيس البرلمان المنحلّ راشد الغنوشي دعوة للتحقيق على خلفية انعقاد جلسة برلمانية افتراضية، وبتهمة التآمر على أمن الدولة، في وقت يقول فيه مراقبون إن المسار القضائي سيفاقم مصاعب الغنوشي وعزلته إثر سعيه من خلال ورقة عودة البرلمان لإحياء ظهوره السياسي والإعلامي بعد أن همشته الأحداث.
ويأتي هذا فيما يعمل الرئيس قيس سعيد على شرعنة المبادرة سياسيّا وقانونيا وشعبيا، ويوسع دائرة داعميه؛ من ذلك مثلا لقاؤه بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو ما يمثّل مؤشرا واضحا على أن رئيس الجمهورية ليس معزولا ولا متفردا بالرأي.
وقال الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري إن “التحقيق يخص تهمة التآمر على أمن الدولة”.
ولم يشارك الغنوشي في الجلسة الافتراضية ولكن تمت دعوته “في إطار التحقيق مع 120 نائبا”، وفقا للخميري.
وقال مكتب الغنوشي الذي يرأس حزب النهضة الإسلامي إنه تلقى دعوة للمثول أمام شرطة مكافحة الإرهاب بعد فتح تحقيقات مع أعضاء آخرين في المجلس النيابي تحدوا قيس سعيد بعقد جلسة برلمانية عبر الإنترنت هذا الأسبوع.
وعقب الجلسة التي شارك فيها أكثر من نصف النواب وأيدوا فيها إنهاء الإجراءات الاستثنائية التي أقرها قيس سعيد الصيف الماضي طالب رئيس البلاد بإجراء تحقيقات.
واتهم أولئك الذين شاركوا في الجلسة بالتآمر على أمن الدولة وأمر وزيرة العدل ليلى جفال باتخاذ الإجراءات القانونية في حقهم. وقال مكتب الغنوشي إنه دُعي إلى المثول أمام شرطة مكافحة الإرهاب في الساعة الرابعة عصر الجمعة.
وقالت نائبة رئيس مجلس النواب المنحل سميرة الشواشي لرويترز من أمام مقر شرطة مكافحة الإرهاب، حيث توجهت لمساندة نواب آخرين، “ما يحصل هو نقطة تحول في استهداف سعيد لخصومه”.
لكن سياسيين ومراقبين يقولون إن حركة النهضة وحلفاءها من أحزاب وكتل صغيرة خرقوا القانون وهدفوا إلى إرباك عمل الدولة وتهديد أمنها، ولأجل هذا لا بد أن يأخذ القضاء المسألة على محمل الجدّ وأن تكون التهم في حجم المخاطر التي كان سيفضي إليها تعدد السلطات والصراع على الشرعيات.
وقال القيادي في حزب حركة الشعب بدرالدين القمودي “بعد حل مجلس نواب الشعب لا معنى لانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة وشفافة دون تعديل النظام الانتخابي وتعديل قانون الجمعيات وقانون الأحزاب وتعديل الدستور”.
وأضاف القمودي على صفحته الرسمية في فيسبوك الجمعة أنه “لا معنى لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة دون محاسبة المجرمين واللصوص وناهبي المال العام محاسبة جادة وشاملة أمام قضاء عادل، مع نقل المحاكمات عبر شاشات التلفزيون”.
وفي مواجهة الحملات الإعلامية لحركة النهضة التقى الرئيس سعيد قيادة اتحاد الشغل، في خطوة تهدف -وفق مراقبين- إلى إظهار أن الرئيس سعيد مدعوم من أكبر قوة نقابية في البلاد، وأنه يبحث عن الحوار وليس متفردا بالرأي، لكن المهم قبل ذلك هو تفكيك منظومات الفساد السياسي التي سيطرت على تونس خلال السنوات العشر الماضية.
وقال قيس سعيد إن اجتماعه مع قيادات اتحاد الشغل فيه تأكيد على أن “الحلول لن تنفرد بها جهة واحدة بل ستقوم على الحوار الذي لا يمكن أن يكون مع من نهبوا مقدّرات الشعب ومازالوا ينكلون به في معاشه، أو مع من أرادوا الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل”.
كما وجه رسالة إلى الاتحاد نفسه يُفهم منها أن اللقاء لا يتضمن أي تنازل عن رؤية قيس سعيد لدور الدولة وحدود نشاط الاتحاد، حين أكد على “ثوابت لا محيد عنها وهي الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة لأن المرافق العمومية لا تخضع لمقاييس الربح والخسارة، ولا بدّ من وضع حدّ لشبكات الفساد التي تنخرها ولمحاولات المفسدين ضربها للحلول محلّها”.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي إن الاتحاد اتفق مع الرئيس سعيد على أنه ستكون هناك شراكة في رسم مستقبل تونس.
وكان اتحاد الشغل قد أعلن الخميس أنّ “حلّ البرلمان هو فرصة بعد فترة من التردّد لاستعادة الثقة وطمأنة الشعب واسترجاع الأمل من أجل تصحيح المسار”.
وأضاف الاتحاد، في بيان أصدره عقب اجتماع مكتبه التنفيذي، أن “قرار حل البرلمان يستدعي اتّخاذ خطوات أساسيّة تهدف إلى تجميع القوى الوطنية والديمقراطية لحوار شامل يُجرى على قاعدة ذلك لضمان القدرة على تحويل إرادة التصحيح إلى قوّة فعليّة لإنقاذ تونس”.
وقال محللون سياسيون إن الاتحاد اختار الوقوف إلى جانب قيس سعيد في الأزمة التي نشبت بينه وبين الغنوشي، وهي خطوة تحسب له وتفتح الطريق للحوار مع الحكومة دون أحكام مسبقة، لكن دون أي رهانات على إمكانية أن تتنازل الحكومة أو تتراجع عن مسار الإصلاحات الاقتصادية التي أضحت حاجة ماسة.
من جهة ثانية بدد الرئيس سعيد التأويلات التي تقول إن حل البرلمان يستدعي آليا إجراء انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر، وقال إنه لن يدعو إلى انتخابات برلمانية جديدة في ثلاثة أشهر، وإنها ستجري في ديسمبر، وهو الموعد المعلن سابقا.
وذكر أنه “لن يكون هناك حوار مع من حاولوا الانقلاب ويسعون لتقسيم التونسيين”، ولمّح أيضا إلى عدم السماح لمن عارضوا تحركاته من البرلمانيين في جلسة الأربعاء بالترشح للانتخابات المقبلة.