صدر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورقة تحليلية تسلط الضوء على فاجعة جرجس حملت عنوان: جثث عائمة وأرواح هائمة: عبث الدفن ودولة الاحتقار (مأساة شبه الجزيرة الجرجيسية)، وإلى جانب هذا العنوان اللافت كانت صورة الغلاف بارزة أيضا وهي تظهر امرأة تجبس على بقايا ثلاجة عائمة على شاطئ البحر وتتطلع إلى الأفق علّها تسمع أو ترى شيئا يدلّها على ولدها حيّا كان أم ميّتا.
ويشير معدّ الدراسة الباحث في علم الاجتماع خالد طبابي في تصديره إلى أن شبه الجزيرة الجرجيسيّة عاشت على وقع أيام وليال مأساوية اتسمّت بالنضالية والأشكال التضامنيّة المجتمعيّة المحليّة. وعاشت على وقع سردية أليمة غابت فيها الأجهزة والبنية النظاميّة للدولة التونسيّة.
ومن هذه المنطلقات المجتمعية والمعرفية حاولنا قدر الإمكان وفي سياقات راهنيّة –حينيّة البحث عن كواليس هذه الدراما في شبه الجزيرة الجرجيسيّة وأسبابها، وعن رهانات الحركة الاحتجاجية المحليّة، والتثّبت من مدى حضور الدولة التونسيّة، وأدوار النخب المحليّة التي تتجسّد أساسا في نشطاء جمعية البحار التنمويّة البيئيّة.
ولكن علينا أن لا ننسى دائما أنّ الثوار ليسوا الفاعلين الواضحين للعيان في الشارع. فهناك أيضا المناضلون والمناضلات الذين ينشطون في الكواليس الخلفية في هذه الدراما بالغة التعقيد مثل التلاميذ في المدارس والموظفين في مكاتبهم.
لذلك وجب القول إنّ الحركة النقابية وحقوق الإنسان واتحاد الفلاحين والأعراف وصغار البحارة وبسطاء الناس بالمجتمع الجرجيسي لعبوا أدوارا مهمّة في المسيرة التضامنيّة والديناميكيّة التعبوية لكنّ عيبهم الوحيد أنهم “مناضلون صامتون” بعبارة الهادي التيمومي.
اعتمد الباحث في هذه الورقة التفسيريّة الأوليّة على تقنيتين، تقنية المحادثة نصف الموجهة مع الفاعلين في جمعية البحّار والنقابيين والسياسيين المحليّين، وتقنية الملاحظة بالمشاركة، فقد قضّينا خمسة أيام في شبه جزيرة جرجيس، وذلك من يوم 14 أكتوبر 2022 إلى منتصف يوم 19 أكتوبر 2022، حيث واكب الاجتماعات العامة والمفتوحة التي تقام في الميناء الصيدي وفي مقر الاتحاد المحلي للشغل بجرجيس وفي مقر جمعية البحّار، وشارك في حركات الاحتجاج وفي يوم الإضراب العام، وتنقل بين المستشفى الجهوي بجرجيس ومقبرة “حدائق إفريقيا” وفي شوارع جرجيس وفي بعض منازل عائلات المفقودين، وشارك في الهبّة البحرية بتاريخ 17 أكتوبر 2022 والهادفة إلى البحث عن جثث المفقودين، كما اعتمد على الحوارات التي تدار في عالم المقاهي بين الساكنة والشباب.
ولفت خالد الطبابي إلى أنه وجب الوقوف عند مسألة سوسيولوجية لافتة للانتباه وهي أنّ التحليلات في سياقات راهنيّة هي مهّمة بحثية صعبة باعتبار أننا لا زلنا في مشهد لم ينته بعد.