قال محامي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إن موكّله يرفض العودة إلى بلاده في ظل غياب إمكانية خضوعه لمحاكمة «عادلة»، مشيراً إلى أن الأحكام التي صدرت ضد حتى الآن «باطلة، وتمت بدافع التشفي وبالضغط من قبل خصومه السياسيين»، كما أكد أن بن علي يرفض الاعتذار عن جرائم لم يقترفها، مضيفاً «إذا كان هناك إرادة من قبل الدولة للعفو العام عن النظام السابق فلا بد أن نبدأ قبل كل شيء بالتصالح مع رأس النظام».
وأكد مُنير بن صالحة (محامي بن علي) أن موكلّه يرفض التعامل بشكل قاطع ونهائي مع هيئة الحقيقة والكرامة، لأنه يعتبر أنها هيئة سياسية غير محايدة، على اعتبار أن أغلب أعضائها هم خصوم سياسيون لابن علي و»قد تحدثوا مراراً أنهم عانوا خلال نظام الرئيس السابق وأفصحوا عن هذه المواقف صراحة في وسائل الإعلام، ويفترض في من يتولى مهام ضمن هذه الهيئة أن يكون موضوعياً ومحايداً، وبما أن الهيئة هي طرف في خصومة سياسية سابقة فلا يمكن للرئيس السابق اللجوء إليها».
وأضاف في حوار مع القدس العربي: «أنا كمحامٍ يُفترض فيه الحياد والموضوعية، لا يمكنني القول إني أرفض هذه الهيئة، ولكن أتصور، كمحام للرئيس السابق، أن رفضه اللجوء إليها هو أمر منطقي ومعقول، وقد أحسن الاختيار في هذا الأمر».
ومنذ سقوط نظامه وهروبه من البلاد في 2011، يواجه بن علي عشرات الأحكام القضائية، من بينها 4 أحكام سجن مؤبد إضافة إلى 150 سنة سجن أيضاً، فضلاً عن غرامة تتجاوز 200 مليون دينار (100 مليون دولار)، بتهم عدة من بينها القتل العمد والمؤامرة على أمن الدولة وإساءة استخدام السلطة وتهريب المخدرات واختلاس الأموال وغيرها.
إلا أن بن صالحة اعتبر جميع الأحكام التي صدرت ضد موكله «باطلة بشكل مطلق وكانت جاهزة وصادرة بضغط من بعض السياسيين المتخفين وراء ما سمي بالمجتمع المدني ولكنهم كانوا خصوما سياسيين ودفعوا الشارع وليس الشعب (فالشارع هو مجموعة أشخاص متجندين يمكن إخراجهم في كل الأيام)، وهؤلاء أوهموا القضاء بأن الشارع تحرك والقضاء نفسه كان تحت وطأة الشارع لأنه كان في تلك الفترة مطلوباً للمحاسبة، وبالتالي الحل الوحيد كان اختزال كل النظام بجوانبه القضائية والسياسية والاقتصادية في شخص الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهذا غير معقول لأنه لا يمكن أن تكون هناك مدينة كاملة فاضلة وثمة شخص واحد مسؤول عن إفسادها».
وأضاف «والدليل على ما سبق هو أنه رغم رحيل الرئيس السابق وسقوط نظامه، مازالت تونس تعاني من الرشوة وبالتالي المشكلة لم تكن مشكلة نظام أو رئيس وإنما مشكلة شعب لا يقبل أن يُطبق عليه القانون، لذلك أؤكد مجدداً أن الأحكام الصادرة ضد بن علي هي أحكام باطلة لأنها صدرت في غيابه، انطلاقاً من تشفٍ وأحقاد وضغائن وتحريض». وأكد، في السياق، أن بن علي يرفض العودة إلى تونس، و«نحن أيضاً نرفض أن يعود في الوقت الحالي لأننا نتصور أن تونس اليوم لا يمكنها أن تحقق محاكمات عادلة، فالقاضي في الدوائر الجنائية في تونس ينظر يومياً بمئة ملف في اليوم أي يتعامل مع مئة موقوف في اليوم بغياب الإمكانيات والعتاد، وبالتالي هذا القاضي لا يمكنه إصدار أحكام عادلة، وهذا خاص بأحكام تتعلق بالمواطن العادي».
وأضاف «إذا كان المواطن اليوم يتذمر من المنظومة القضائية ووضع المؤسسة القضائية (المؤسسة بأكملها من قضاة ومحامين وكتاب محاكم ومقرات محاكم وإمكانيات عدالة ووزارة عدل) والتي تحتاج لمراجعة كونها قاصرة عن إصدار أحكام قضائية عادلة، فما بالنا برئيس جمهورية سابق يعاني من التحريض في قضايا سياسية؟».
وأكد، في السياق، أنه لا علم له بوجود عروض للرئيس السابق مُقدمة من قبل بعض الدول الكبرى، تضمن فيها عودته إلى بلاده، بشرط تعهده بعدم التدخل في الشؤون السياسية.
وكان سليم شيبوب (صهر بن علي) وقّع مؤخراً أول اتفاقية تحكيم ومصالحة في البلاد مع هيئة الحقيقة والكرامة بصفته «طالب تحكيم ومصالحة طبقاً لقانون العدالة الانتقالية»، فيما أبدى عدد من أفراد عائلة بن علي نيتهم توقيع اتفاقيات مماثلة.
وعلّق بن صالحة على هذا الأمر بقوله «نحن نطالب بالعفو العام، فهيئة الحقيقة والكرامة والمصالحة وغيرها، هي إجراءات وآليات تتطلب إجبار الشخص الراغب بالانتفاع به بالاعتذار، وخاصة أن هيئة الحقيقة والكرامة تقر في قانونها أن من يأتي إليها (للتصالح) يجب أن يكون مذنباً، ولذلك من يرى نفسه بريئاً لا يمكن له أن يلجأ إليها لأنه لا يمكن أن يعتذر عن أمر لم يقترفه».
وأضاف «الرئيس السابق يعتبر نفسه غير مذنب في أي جرائم، ربما يكون قد أخطأ سياسياً ومستعد للاعتذار السياسي وليس الجنائي، فالنظام قد أخطأ وليس الرئيس والذي كان جزءًا من النظام كبقية المسؤولين من وزراء ومديرين وغيرهم، ولذلك كيف نختزل النظام السابق كله في شخص بن علي ونعتبر أن كل خطأ حصل لتونس سببه الرئيس السابق، هذا منطق غريب جداً».
وأوضح بشأن اقتراح العفو العام بقوله «إذا كان هناك إرادة من طرف الدولة التونسية للعفو العام على النظام السابق فلا بد أن نبدأ قبل كل شيء برأس النظام، أي لا ينبغي أن نتصالح ونعفو عن أجزاء وبقايا النظام ونغلق أعيننا ونصم آذاننا عندما يتعلق الأمر برأس النظام، وبالتالي كل محاولة للعفو والتصالح مع النظام السابق بدون المرور برئيس الجمهورية السابق، تُعتبر، في رأيي، مبادرة سياسية لها بعض المصالح الحزبية الضيقة، ولكنها لا تتقدم بتونس مثلما نريد».
يُذكر أن الرئيس الباجي قائد السبسي استقبل مؤخراً في قصر قرطاج عدداً من مسؤولي النظام السابق، من بينهم عبدالوهاب عبدالله الذي كان يعتبر من أكثر المقربين لبن علي، فيما استقبل رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي الأمين العام السابق لحزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» محمد الغرياني وكمال مرجان (رئيس حزب المبادرة وآخر وزير خارجية في عهد بن علي)، فضلاً عن الحضور البارز لعدد من رموز النظام السابق لاحقاً في مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير، وهو ما أثار جدلاً كبيراً في البلاد.