في مثل هذا اليوم، 20 نوفمبر 1902، أُسدلت الستارة للمرة الأولى على خشبة المسرح البلدي بتونس، الذي يُعدّ رمزًا للفن والإبداع في العاصمة، وشاهدًا على تحول شارع الحبيب بورقيبة إلى محور ثقافي ينبض بالحياة. هذا الصرح الثقافي الفريد، الذي كان يُعرف آنذاك باسم "كازينو تونس البلدي"، شكّل نقطة انطلاق جديدة لعشاق الفن بمختلف أشكاله، واضعًا تونس على خارطة المسرح العالمي.
مقالات ذات صلة:
"كلنا نغني" يشعل المسرح البلدي بحضور جماهيري غفير وأجواء لا تُنسى
مسرحية (مـ)جرد موظف تشعل المسرح البلدي بصفاقس: إبداع فني يلامس الجنون!
حفل الفنانة لبنى نعمان في المسرح البلدي بسوسة: سهرة فنية مميزة ضمن ليالي رمضان
أوبرا "مانون": أولى نبضات المسرح البلدي
افتُتح المسرح البلدي بعرض أوبرا "مانون" للفنان جيل هاسند، مجسّدًا بدايته كمنبر للنخب الأوروبية، لكن سرعان ما تجاوز حدوده الأولى ليصبح ملتقى لمختلف الثقافات والفنون.
عمارةٌ تتحدى المستحيل
تولى المهندس الفرنسي جان-إميل رسبلندي تصميم المسرح على طراز "الفن الجديد" (Art Nouveau)، مُظهرًا براعة معمارية في بناء صرح بهذا الحجم على أرضية طينية. ورغم التحديات، تحققت الرؤية على يد مقاولات إيطالية، ليولد مبنى يمزج بين الجمال المعماري والابتكار الفني.
هدم وبناء: ولادة جديدة
لم تمر سوى سبع سنوات حتى أُعيد هدم المسرح سنة 1909 بهدف توسيع طاقته الاستيعابية، ليعاد افتتاحه في 4 جانفي 1911. بطاقة استيعاب تصل إلى 1350 مقعدًا موزعة بين المقاعد الأمامية، الميزانين، المقصورة، والأروقة، احتفظ المسرح بواجهته الأصلية، كأنها تحكي قصة ولادته الأولى.
من حكر على الجاليات إلى منصة لكل التونسيين
في سنواته الأولى، كان المسرح البلدي موجهًا للجاليات الأوروبية المقيمة في تونس، لكن استقلال البلاد عام 1956 فتح أبوابه للجماهير التونسية، ليصبح منصة تعكس تطلعاتهم الثقافية والفنية.
ركحٌ احتضن عمالقة الفن
على خشبة المسرح البلدي، أُدِّيت أعظم المسرحيات العالمية والمحلية. من أوبرا إلى الباليه، ومن الموسيقى السمفونية إلى الدراما، صعد عمالقة الفن التونسي والعربي والدولي على هذا الركح، مانحين الجمهور فرصة الاستمتاع بأرقى الإبداعات الفنية.
ترميمٌ يحفظ التاريخ
في العقود الأخيرة، خضع المسرح البلدي لترميمات دقيقة بالتعاون مع بلدية تونس وجمعية صيانة المدينة، مدعومة بتمويل دولي. سمحت هذه الأشغال بحفظ رونق المسرح واستمراره كمركز ثقافي يحتضن عروضًا محلية وأجنبية، مؤكدة مكانته كجزء لا يتجزأ من هوية العاصمة الثقافية.
المسرح البلدي: أكثر من مجرد بناء
في يوم افتتاحه قبل 122 عامًا، ربما لم يتخيل الحاضرون أن هذا الصرح سيظل شامخًا، شاهدًا على تحولات المشهد الثقافي والاجتماعي في تونس. المسرح البلدي ليس مجرد مبنى، بل رمز للروح الفنية التونسية التي تستلهم ماضيها لتبني مستقبلها، حيث تبقى الستارة مرفوعة لكل ما هو مبدع وخلاق.