اختر لغتك

الهوية التونسية بين الانتماء الأصيل واصطفاف الولاءات هو تفكيك صامت لوحدة الوطن

الهوية التونسية بين الانتماء الأصيل واصطفاف الولاءات هو تفكيك صامت لوحدة الوطن

الهوية التونسية بين الانتماء الأصيل واصطفاف الولاءات هو تفكيك صامت لوحدة الوطن

الهوية التونسية بما هي مركب تاريخي وثقافي وقانوني لم تكن في يوم من الأيام مجرد شيفرة رمزية أو إرثا فولكلوريا جامدا، لكنها كانت وما تزال نتاج سيرورة تاريخية متراكبة ومعقدة أنبنت على جدلية التفاعل بين الذات والآخر، بين المحلي والعالمي، بين الذاكرة الجماعية ومتطلبات الدولة الحديثة،  غير أن ما يطفو على سطح المشهد التونسي المعاصر هو تصدع في هذا البناء الرمزي وخلل في المنظومة التي كانت تؤسس للانتماء وتؤطر العلاقة بين المواطن والوطن على قاعدة من المساواة والتكافؤ.

وفي خضم التحولات السياسية العميقة بات واضحا أن الهوية الوطنية لم تعد تصاغ في إطار مشترك تجمع حوله النخب والمواطنون لكنها أصبحت حلبة صراع تستعمل فيها مفاهيم الانتماء والولاء كسلاح ناعم لتكريس الإقصاء وإعادة توزيع الشرعية، فالانتماء الذي يفترض أن يكون أفقا مدنيا جامعا تحول تدريجيا إلى مقياس انتقائي يحدد على ضوء الموقف السياسي أو القرب من السلطة لا على قاعدة المواطنة المتساوية وهو ما أفضى إلى واقع تسحب فيه صفة "الوطنية" من فئات واسعة ليس بناء على أفعال جرمية أو انتهاكات للدستور بل لمجرد مخالفة خطاب رسمي أو الاصطفاف خارج دائرة الولاء.

هذا الانزلاق المفاهيمي يعيدنا إلى سؤال جوهري من يملك حق تعريف "الوطنية"؟ وهل يمكن لوطن أن يكون ملكا لفريق دون آخر أو أن تتحول أرضه إلى فضاء مغلق لا يفتح إلا بمفتاح الولاء؟ إن اختزال الوطن في شخص أو حزب أو سردية واحدة هو تراجع خطير عن فكرة الدولة الحديثة ذات الطابع التعددي وهو نكوص نحو أنماط بدائية في الحكم تقوم على التقديس الفردي والتماهي المرضي مع السلطة.

وفي ظل هذا السياق تشهد تونس تفككا ناعما لوحدة الشعور الجمعي حيث تنشطر السرديات حول معنى الانتماء وتتضخم النزعات الجهوية والمناطقية وتختزل الوطنية في صورة نمطية تشرع الإقصاء وتبرر الوصم، فالمواطن الذي يحتج أو يكتب أو يعارض يتهم بالخيانة ويدرج في قوائم الشك والريبة بينما تمنح صكوك "الوفاء للوطن" لأولئك الذين يتقنون لغة التبرير والخنوع وهكذا تنتج دولة لا عماد لها سوى الولاء نظاما رمزيا يقوم على محو التعددية وتحويل الاختلاف إلى تهديد.

لكن الهوية الوطنية لا تنشأ في مختبرات السلطة ولا تفرض بمراسيم فوقية، فهي تراكم تاريخي وشعوري ينبثق من التجربة المشتركة والاعتراف المتبادل بالوجود والمساواة، فالقانون في هذا الإطار ليس مجرد آلية لضبط السلوك لكنه تعبير عن التعاقد الأخلاقي بين الدولة ومواطنيها وعن الإرادة الجامعة التي تضمن للكل حق الاختلاف ضمن وحدة مدنية قائمة على الحقوق والواجبات وحين يتحول القانون إلى أداة تأديب أو انتقاء وحين يوظف الدستور لتبرير تمايز وطني مصطنع فإنه يفقد معناه الجوهري ويغدو أداة للتلاعب الرمزي.

وطن لا يسعه الاختلاف هو وطن ضيق مهما اتسعت جغرافيته وهوية تبنى على الإقصاء لا يمكنها إلا أن تنتج هشاشة في البنية السياسية والاجتماعية تفضي في نهاية المطاف إلى شرخ يصعب رأبه، ولكن ما تحتاجه تونس اليوم ليس وطنية تفرض إنما مواطنة تحتضن ليس خطابا يخون بل عقدا اجتماعيا جديدا يعيد تأسيس معنى العيش المشترك بعيدا عن منطق الاصطفاف.

كما وأن ن الوطنية الحقيقية لا تتجلى في رفع الشعارات ولا في تكرار المديح ولكن في القدرة على النقد البناء والتمسك بقيم العدالة ومقاومة كل ما يهدد كرامة الإنسان باسم الوطن، فالانتماء ليس انصهارا في السلطة لكنه التزام يومي بصون الحريات والمشاركة في بناء مستقبل مشترك وإذا ما أردنا أن نحمي هويتنا من التآكل الصامت فعلينا أن نحررها من عبء الولاءات ونعيدها إلى حيث تنتمي إلى عمق الشعب، إلى حيوية الذاكرة وإلى أفق دولة مدنية عادلة لا تقصي ولا تفرق بل تعترف تحت سقف القانون بكل أبنائها.

آخر الأخبار

الهوية التونسية بين الانتماء الأصيل واصطفاف الولاءات هو تفكيك صامت لوحدة الوطن

الهوية التونسية بين الانتماء الأصيل واصطفاف الولاءات هو تفكيك صامت لوحدة الوطن

البيان المنتظر للنادي الإفريقي: هل يفضي إلى حل الأزمة أم يفاقم الانقسام؟

البيان المنتظر للنادي الإفريقي: هل يفضي إلى حل الأزمة أم يفاقم الانقسام؟

عرض قطري يضع الإفريقي تحت الضغط: يوسف سنانة ينتظر القرار النهائي

عرض قطري يضع الإفريقي تحت الضغط: يوسف سنانة ينتظر القرار النهائي

الإعلام العربي يواجه التغير المناخي في مؤتمره الرابع

الإعلام العربي يواجه التغير المناخي في مؤتمره الرابع

تقرير خاص | إسرائيل تقصف اليمن وتتوعد باغتيال عبد الملك الحوثي: تصعيد جديد يفتح جبهة البحر الأحمر

تقرير خاص | إسرائيل تقصف اليمن وتتوعد باغتيال عبد الملك الحوثي: تصعيد جديد يفتح جبهة البحر الأحمر

Please publish modules in offcanvas position.