استجاب رئيس الحكومة التونسية المكلف، يوسف الشاهد، لطلب "حركة النهضة" الإبقاء على "وزراء السيادة" في تشكيلته الحكومية، والتي أعلن عنها مساء أمس، وذلك بعدما دعا زعيم الحركة، راشد الغنوشي، إثر لقائه الشاهد قبل أيام، إلى تحييد "وزارات السيادة" عن الأحزاب، والإبقاء عليها لتمارس دورها في "مقاومة الإرهاب"، وخصوصا وزارتي الداخلية والدفاع.
وقد أشارت بعض تسريبات المشاورات إلى أن بعض قيادات حزب "نداء تونس" على وجه الخصوص كانت ترغب في تغيير الوزيرين.
وسعى "النداء" إلى عدم استمرار الهادي مجدوب على رأس وزارة الداخلية في ظل شكوك حول التنصت على نجل الرئيس، الباجي قائد السبسي، وعائلته، مطالبين باستبعاد مدير الأمن أيضا. كما رفعت مطالب بتغيير وزير الدفاع فرحات الحرشاني، بسبب شبهة قربه من مدير الديوان الرئاسي السابق، رضا بلحاج، الذي يقود حملة معارضة لحافظ قايد السبسي في الحزب، وينتقد بعض قرارات والده في القصر.
لكن النتائج التي حققها الوزيران، خلال الأشهر الأخيرة، رجحت الكفّة لصالح إبقائهما في الحكومة، إذ لم يسبق أن شهدت تونس، منذ بداية التهديدات، هدوءا ونجاحا أمنيا كالذي عرفته خلال المدة المنقضية، وإلى غاية اللحظات الأخيرة من المشاورات.
وطرح، خلال المشاورات، خيار دخول غازي الجريبي مكان أحدهما، قبل أن تستقر المفاوضات على توليه حقيبة العدل، وهو الذي كان شغل منصب الدفاع في حكومة المهدي جمعة.
والجريبي، الذي يبلغ من العمر 61 سنة، هو قاض إداري، متحصّل على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، والأستاذية في القانون العام، وإجازة في القانون من جامعة السوربون. وكان محاضرا بالمدرسة الوطنية للإدارة والمعهد العالي للقضاء.
وشغل منصب رئيس مجلس المنافسة ورئيس المحكمة الإدارية قبل الثورة، ومنصب رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بعدها، وتقلّد منصب وزير الدفاع في حكومة مهدي جمعة من يناير/كانون الثاني 2014 إلى فبراير/شباط 2015.
أما وزير الدفاع فرحات الحرشاني، وعمره 63 سنة، فينحدر من مدينة توزر في الجنوب التونسي، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون العام من كليّة الحقوق بتونس، وهو أستاذ مبرّز في القانون، وشغل منصب نائب العميد بكليّة الحقوق. تمّ تعيينه وزيرا للدفاع في فبراير/شباط 2015، وشغل مؤقتا منصب وزير العدل معوضا محمد صالح بن عيسى، بعد إقالته بسبب قانون المجلس الأعلى للقضاء.
ويعتبر وزير الداخلية الهادي مجدوب الأصغر سنا من بين الأربعة، إذ يبلغ من العمر 47 سنة فقط، وهو متحصّل على الأستاذية في الحقوق ومتخرّج من المدرسة القومية للإدارة، وهو أيضا من خرّيجي معهد الدفاع الوطني.
التحق بتفقدية وزارة الداخلية، كما كلف بمأمورية بديوان وزير الداخلية، ورئيس مكتب الاستشراف والتقييم والتحليل، قبل أن يشغل منصب رئيس ديوان وزير الداخلية عام 2011. وقد عيّن كاتب دولة مكلفا بالشؤون المحلية في 2015، ثم تولّى منصب وزير الداخلية في حكومة الحبيب الصّيد.
والمجدوب وزير صامت يفضّل البقاء بعيدا عن الإعلام، ويعتبر من العارفين بوزارة الداخلية وقياداتها وأسلوب إدارتها، نجح إلى حد كبير في إضفاء مزيد من الفعالية على المستوى الاستخباراتي والعمليات الاستباقية التي أطاحت بعدة خلايا، وحجز كميات كبيرة من الأسلحة كانت تستهدف أماكن حساسة وشخصيات عامة.
ولم تطاول تهديدات الاستبعاد من الحكومة وزير الخارجية خميس الجهيناوي، البالغ من العمر 62 سنة، وهو محام ودبلوماسي تونسي، حاصل على إجازة في القانون العام، وعلى شهادة الدراسات العليا في القانون العام، وشهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية وفي العلاقات الدولية.
شغل عدّة مناصب هامة بوزارة الخارجية، وتقلّد منصب سفير لتونس بالمملكة المتحدة وروسيا.
وعيّن الجهيناوي بعد الثورة كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية في حكومة الباجي قائد السبسي الأولى، ثم مستشارا له في الرئاسة، قبل أن يعيّن وزيرا للشؤون الخارجية في حكومة الصيد.
ورافق تعيينه في هذا المنصب حملة كبيرة من المعارضة، طالبت باستبعاده بسبب تقلده لمهام رئاسة مكتب تونس في تل أبيب، الذي افتتح سنة 1996 قبل أن يتم غلقه سنة 2000، ما اعتبر بداية للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
ولكن الجهيناوي، المقرب جدا من الرئيس السبسي، يحظى بثقته المطلقة، وينتهج أسلوب المدرسة الدبلوماسية التونسية الذي يحبذه السبسي، ولذلك لم يكن هناك أدنى شك في بقائه في منصبه.
ولئن كان المجدوب والحرشاني والجريبي غير معروفين بانتماءات سياسية، فإن الجهيناوي يعتبر من قيادات "نداء تونس"، ولذلك فإن معيار تحييد وزارات السيادة الذي طالبت به "النهضة" يعتبر متحققا بنسبة كبيرة.