رئيس حركة النهضة يلعب على الحبال المتعددة حيث وجه خطابا لقيس سعيد يبحث فيه عن التهدئة وفي نفس الوقت يريد أن يظهر للعالم أن المعارضة قوية.
تونس- وصفت أوساط سياسية ما كتبه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تقييمه للمرحلة الماضية وموقفه من الإجراءات الاستثنائية التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد بأنه عنوان للتناقض الصارخ في مواقفه، وأن الغنوشي دأب على إنكار الواقع وتحميل المسؤولية للآخرين
وفي مقال له بإحدى الصحف المحسوبة على حركة النهضة، قال الغنوشي إن قرارات قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو “جاءت في وقتها معبّرة عن إرادة شعبية صادقة متعطشة إلى التغيير، ضائقة ذرعا بالحكومة وحزامها السياسي”، في إشارة إلى حكومة هشام المشيشي التي كانت تدعمها حركة النهضة وأطاحت بإجراءات الرئيس سعيد.
وأضاف الغنوشي أن الرئيس سعيد بدا “وكأنه يفتح قناة أكسيجين في أجواء مختنقة بالكوفيد، الأكسيجين الذي عجزت عن توفيره حكومة المشيشي للمختنقين.”
كما سعى رئيس البرلمان المجمد للفت نظر الرئيس سعيد والإيحاء بأنه قريب من حركة النهضة وليس بينه وبينها خلافات جذرية، محملا المسؤولية للمحيطين به، قائلا “لا يخلو محيطه (قيس سعيد) من أصحاب مصالح بل حتى استئصاليين خصوم للمنزع المحافظ، بما يفرض الحذر من دفعه إلى التورّط في توظيف شعبيته في التخلّص من خصومهم”.
لكن الغنوشي عاد، وفي نفس المقال إلى التحذير “من أن تكون قرارات الخامس والعشرين من يوليو بداية لحكم عسكري مقنّع على طريقة أميركا اللاتينية، أو سافر على الطريقة العربية الأفريقية”، وأنه “على يقين أنه لن يمضي وقت طويل حتى تسترد الثورة وتلتقط أنفاسها وتستأنف مسارها في أوضاع محلية وإقليمية أفضل”.
وقال محللون سياسيون إن رئيس حركة النهضة يوجه رسائل متناقضة، فهو من ناحية يريد كسب ود الرئيس سعيد ويسعى لمنع أيّ مواجهة معه ومع مؤسسات الدولة، لكنه يريد أن يبدو في موقع قوة بإعادة سرديته التقليدية بوصف إجراءات الخامس والعشرين من يوليو بأنها انقلاب، وأن “الشرعية” ستستعيد الثورة.
واعتبر المحللون أن الغنوشي ظهر في أسوأ صورة، فهو متناقض وفي نفس الوقت يلعب على الحبال المتعددة، يوجه خطابا لقيس سعيد بحثا عن التهدئة، وخطابا للخارج يقول فيه إن المعارضة قوية، ويحث على “استعادة الديمقراطية وتجميع كل قوى الداخل والخارج”، لاستعادة البرلمان.
وقال المحلل السياسي هشام الحاجي إن مقال الغنوشي “يمثل دعما ضمنيا لقيس سعيد في الخطوة التي أقدم عليها يوم الخامس والعشرين من جويلية 2021”.
وأضاف الحاجي في تدوينة له على فيسبوك أن “المقال ينهي في كل الحالات المسيرة السياسية للغنوشي لأنه ارتكب من الأخطاء التقديرية ما يؤدي إلى تحمّله الجزء الأكبر من مسؤولية ما تعيشه تونس حاليا من تدهور شامل”.
وبالتوازي مع مديح قيس سعيد والسعي للفت نظره ثم التراجع عن ذلك، سعى الغنوشي أيضا لتبرئة نفسه مما جرى من أزمات سواء ما تعلق بحكومة الحبيب الجملي أو ما تلاها من حكومة إلياس الفخفاخ ثم هشام المشيشي محملا المسؤولية إلى الشركاء السياسيين أو إلى حزب النهضة ذاته من خلال قرارات وصفها الغنوشي بأنها لا تتماشى مع الواقع.
وعلى خلاف ما يقوله الكثير من المستقيلين من النهضة الذين يتهمون الغنوشي بالتحكم في قرار الحركة والتصرف فيها وكأنها ملكية خاصية، فإن رئيس البرلمان المجمد يحمّل مجلس الشورى مسؤولية عدم التخلي عن حكومة المشيشي واستباق قرارات قيس سعيد بإسقاطها.
وقال الغنوشي إن “آخر دورة لمجلس شورى النهضة قبل الانقلاب، قرّرت مواصلة دعم المشيشي بنسبة 90 في المئة، دلالة ذلك على ضعف في وعي النخبة وإرادة القرار”، معتبرة الوضع الحالي “فرصة لتتفقّد النهضة أوضاعها ويعود منخرطوها إلى ببتهم، لإصلاحه بحسن الإعداد لمؤتمرهم الـ11 وليكونوا مجددا على الطريق الذي يعيدهم إلى شعبهم”.
ووصف المحلل السياسي منذر بالضيافي كلام الغنوشي بأنه “هروب إلى الأمام وإنكار للواقع ولمسؤوليته هو تحديدا وحزبه في ما حصل”، مضيفا أن “ما حصل كان نتيجة متوقعة لسنوات حكم الإخوان الفاشلة”.