اختر لغتك

تهريب الآثار يشوه هوية تونس وحضارتها

تهريب الآثار يشوه هوية تونس وحضارتها

ليس للجشع والأنانية وحب الثراء العاجل حدود، وهذا ما يشجع على نهب ثروات البلاد الأثرية وكنوزها التي توثق لهوية تونس وعراقة حضارتها، بل دفع ببعض التونسيين إلى التواطؤ مع عصابات أجنبية لتسليمها نفائس لا تقدر بثمن لقيمتها العلمية والتاريخية.


تونس - حجزت السلطات الأمنية الجزائرية الأربعاء، في محافظة سكيكدة مخطوطا تونسيا نادرا كان بحوزة شيخ ستيني يريد بيعه متجاوزا في ذلك كل القوانين التي تمنع المتاجرة بالآثار.

وتقدر قيمة الآثار التي تم تهريبها من تونس بمليارات الدولارات، وعمليات التهريب قديمة جدا ولم تتوقف حتى يومنا هذا، ففي سنة 1842 تم نهب معبد “دُقّة” القديم وسرقة نقوشه البونية، ومازالت القطع البونية محفوظة حتى الآن في المتحف البريطاني بلندن.

يعود المخطوط الذي ضبط بحوزة الجزائري إلى أكثر من 7 قرون مضت، ويحتوي على300 صفحة مكتوبة بخط اليد المغربي القديم، وهو باللون الأصفر مزخرف بأشكال هندسية ويتضمن قانون العقوبات الجنائي الخاص بدولة تونس.

قالت مصادر أمنية جزائرية إنه تم تهريب المخطوط إلى الجزائر من قبل شبكة دولية لنهب وتهريب الآثار والمتاجرة بها.

في نفس اليوم أعلنت وزارة الداخلية التونسية، ضبط مخطوط يهودي نادر باللغة العبرية بحوزة مهربين يعود إلى ما قبل ثلاثة قرون.

عمليات التهريب لم تتوقف منذ اندلاع الثورة بل زادت عما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وقد كانت العصابات المنظمة تنهب كنوز البلاد الأثرية.

ولا يكاد يمر أسبوع حتى تلقي الفرق الأمنية القبض على متورطين في عمليات تهريب آثار تونس عبر الحدود، بل وسعت العصابات نشاطها حتى التراب الليبي لتستولي على نفائس من الآثار الليبية.

وأفادت وزارة الداخلية التونسية بأنها أوقفت ثلاثة عناصر على صله بتهريب المخطوط العبري البالغ طوله حوالي مترين، حيث كانوا يعتزمون عرضه للبيع بمقابل 700 ألف دينار تونسي (حوالي 290 ألف دولار أميركي).

ونقلت الوزارة عن مصدر في المعهد الوطني للتراث أن “المخطوط فريد من نوعه، له قيمة أثرية وتاريخية هامة، باعتبار أنه مكتوب على جلد ثور بماء الذهب الخالص باللغة العبرية المربعة”.

وتم حجز 22 ألف قطعة أثرية بعد ثورة 14 يناير 2011 وإلى غاية شهر أبريل 2017، وهي تتمثل في مخطوطات وتماثيل وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية وأوان فخارية تورطت في سرقتها عصابات دولية مختصة.

يقول مدير عام المعهد الوطني للتراث التونسي، فوزي محفوظ، إن تونس تعاني من تفشي عمليات الحفر العشوائي بحثا عن الكنوز وسعيا للاتجار بالمواد الأثرية.

ودعا محفوظ إلى دفع الدول الغربية، وخاصة البلدان الأوروبية، إلى تغيير قوانينها وتجريم استقبال تراث البلدان الأخرى. وحمّل الدول الأوروبية مسؤولية تشجيع الشبكات الدولية على نهب الآثار وتهريبها، من خلال قوانينها التي لا تحظر سوى تصدير الآثار.

وقال محفوظ، إن “القانون التونسي يمنع الاتجار في الآثار بالاستيراد أو التصدير، في حين أنّ الدول الأوروبية لا تمنع سوى التصدير، ما يساهم في عدم حماية تراث الدول الأخرى”.

 أن “عدم حظر استيراد الآثار للبلدان الأوروبية شجّع الشبكات الدولية على نهب الآثار وبيعها، وهو نفس الأمر الذي سمح بظهور سوق غير قانونية في تونس لتجارة الآثار المنهوبة أو المقلّدة”.

وكشف محفوظ أنّ مختبرات معهد التراث فحصت خلال السنة المنقضية، 3 آلاف و307 قطع أثرية ضبطتها الأجهزة الأمنية، وقد تبيّن أنّ ألفا و833 منها فقط أصلية، والباقي مقلدة.

ومنذ2011 وحتى نهاية 2017، بلغ مجموع القطع الأثرية المحتجزة التي عاينها المعهد نحو 33 ألفا و102، من بينها 6 آلاف قطعة مقلدة، ما يؤكد توسّع تجارة الآثار المنهوبة والمقلّدة بالبلاد.

ووفق المسؤول التونسي، فإن موضوع جرائم الآثار مرتبط بالسوق، فهناك تجار وشبكات دولية متورطون، حيث أصبحت تونس، منذ سنوات، منطقة عبور لآثار منهوبة من الجزائر ومن ليبيا في اتجاه أوروبا. ولفت مدير معهد التراث، إلى أنّ وجود قطع مقلدة ضبطتها الأجهزة الأمنية، يؤكد وجود سوق للآثار خاضعة للعرض والطلب.

وأظهرت بلاغات نشرتها الداخلية التونسية أنّ جريمة تجارة الآثار التي بحثت فيها، أصبحت ظاهرة متواترة رافقتها جرائم أخرى مثل السرقة والقتل والتحايل.

وأعلنت الوزارة في بيان صحافي، مطلع يناير الماضي، أنّ وحدات الأمن بمحافظة القيروان، وسط تونس، أوقفت شخصين تورطا في جريمة قتل تعود أسبابها إلى خلافات ناتجة عن البحث عن الكنوز والتنقيب على الآثار.

وفي 12 ديسمبر 2017، أعلنت الوزارة ضبط قطعة أثرية تتمثل في رأس تمثال من الحجارة، وتمثالين و15 قطعة نقدية من المعدن الأصفر.

وحسب الموقع الإلكتروني للوزارة، أوقف الأمن التونسي مجموعة من الأشخاص، خلال ديسمبر الماضي، وضبط بحوزتهم 11 قطعة أثرية من المعدن الأصفر، وقطعتان من مادة الكريستال، وقطعتان من الأحجار الكريمة. كما ضبط 3 تماثيل رخامية بيضاء اللون، وتمثالً من المعدن الصفر، و3 كتب صفراء قديمة، ومجموعة من المجسمات النحاسية صغيرة الحجم.

وفي الشهر ذاته، أوقف رجال الأمن التونسي بمحافظة بنعروس، جنوب العاصمة، شخصا بحوزته قطع أثرية كان ينوي بيعها مقابل مبلغ يقدر بمليون دينار (ما يعادل نحو 400 ألف دولار)، وفق الداخلية.

وأرجع مدير المعهد التونسي للتراث تنامي جرائم الآثار والبحث عن الكنوز، إلى دوافع الفقر وانتشار الشعوذة في بعض الأوساط الاجتماعية.

وبحسب مدير المعهد التونسي للتراث، فإن بلاده على علم بملابسات وخفايا ملف تهريب الآثار. مشيرًا إلى أنّ مؤسسته تتلقى بشكل متواتر قطعًا أثرية مضبوطة.

لكن، وبسبب كثرة وتنوع المواقع والمعالم الأثرية بالبلاد، لفت محفوظ إلى أنه من الصعب على سلطات البلاد حماية الخارطة الأثرية ومراقبتها بشكل كامل. وفي ذات الصدد، انتقد المسؤول عدم وعي فئة من التونسيين بأهمية الآثار، باعتبارها جزءًا من تراثهم وثقافتهم وهويتهم، يجب الحفاظ عليها وحمايتها.

من جانبه، أرجع عالم الاجتماع التونسي منصف ونّاس، ظاهرة انتشار التنقيب على الآثار والاعتقاد بوجود الكنوز المخبأة، إلى بعض خاصيات الشخصية التونسية.

وقال ونّاس، إنّ من سمات الشخصية التونسية، “البحث عن الحلول الفردية والسهلة التي لا تتطلب نفسًا طويلًا، ومن بينها الإثراء السريع”.

وتابع، “بناء على ما تقدّم، نلحظ سعي التونسي إلى خدمات السحرة والمشعوذين وإلى الاعتقاد في وجود الكنوز تحت الأرض وإلى إمكانية استعمالها في الإثراء السريع الذي لا يتطلب مجهودا كبيرا”.

ووفق الخبير، “نلاحظ منذ عقود بحثا محموما عن الكنوز والآثار تحت الأرض وفوقها، باعتبارها تحل مشاكل الاحتياج والفقر، وتقود إلى الثراء دون مجهود”.

 

آخر الأخبار

فيروز.. أيقونة الوطن وصوت الأوطان يحتفل بعيدها التسعين وسط أنقاض الوطن

فيروز.. أيقونة الوطن وصوت الأوطان يحتفل بعيدها التسعين وسط أنقاض الوطن

الأيام الترويجية للصناعات التقليدية هو تجسيد لهوية لا تنطفئ

الأيام الترويجية للصناعات التقليدية هو تجسيد لهوية لا تنطفئ

النسخة التاسعة من أسبوع المطبخ الإيطالي حول العالم

النسخة التاسعة من أسبوع المطبخ الإيطالي حول العالم

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

Please publish modules in offcanvas position.