تناقلت وسائل إعلام عربية ودولية في اليومين الماضين خبرا عن نهر في روسيا تحول لون مياهه إلى الاحمر، وأن وزارة الموارد الطبيعية والبيئة الروسية تلقت تقارير حول تلوث النهر بمادة كيميائية مجهولة الهوية، معتبرة أنه ربما كان هناك شيء ما أخرجه مصنع نوريلسك نيكل، أكبر منتج في العالم للنيكل والبلاديوم الامر الذي نفته إدارة المصنع.
هذا الخبر أثار فضولنا العلمي في greenarea.me، ودفعنا للبحث عن سبب هذه الظاهرة، هل هي نوع من التلوث الذي نراه غالبا على سواحل دول الخليج، في ما يعرف بظاهرة “المد الأحمر” Red Tide، ولا سيما في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الناجمة عن أنواع من الطحالب؟ أم أنها ناجمة عن تلوث صناعي؟ أم أن ثمة أسبابا أخرى؟
آراء وتفسيرات متضاربة
أمر عادي في عصرنا أن تنتشر صور توثق الجرائم بحق الطبيعة على مواقع التواصل الإجتماعي، وفي سائر وسائل الإعلام، والضحيّة هذا الأسبوع كان “نهر دالديكان” Daldykan River الواقع قرب مدينة “نوريلسك” Norilsk الروسية، والذي تحول لون مياهه إلى أحمر قانٍ يوم الثلاثاء الماضي في السادس من أيلول (سبتمبر) الجاري 2016، وكما هي العادة غالبا، عند وقوع أي حدث بيئي لافت للانتباه ومثير للاهتمام، يخرج تلوث الطبيعة من كنف مسببها لتصبح ظاهرة يراها الناس، فتكثر عندها الآراء وتتوالى التفسيرات، وفي معظم الأحيان تكون متضاربة، لكن ما كان صادما هو اعتبار البعض أن هذا الحدث له تفسيرات دينيّة مذكورة في الكتاب المقدس، عن قرب القيامة، أو يوم الآخرة! وهذا ما نلاحظه منذ القدم، أي عندما يعجز الإنسان عن تفسير ظاهرة معينة يلجأ إلى المعتقدات الدينية، كما هو الحال لدى سائر شعوب العالم.
لكن ما يهمنا في هذا السياق، هو رصد وتفسير التوقعات المنطقيّة، فقد طرح علماء مسبّبين لهذه الكارثة الطبيعية، الأول هو خام الحديد الموجود طبيعيا في هذه المنطقة، والثاني ترجيح كفة الخبراء من أن معمل “ناديجدا” الواقع قرب النهر الذي يتم تشغيله من قبل “نوريلسك نيكل” Norilsk Nickel، وهو أضخم مصانع تصنيع المعادن. ومدينة نوريلسك لا تعاني من قسوة المناخ فحسب، بل تعاني أيضا من التلوث، فهواؤها يعتبر الاكثر تلوثا بالمعادن الضارة.
ويوضح أحد خبراء التعدين أن اصطباغ النهر باللون الأحمر ناجم عن وجود كسر في أنبوب تابع للمصنع يؤدي الى تسرب النفايات الصناعية الى مياه النهر، وبعض المواد الكيماوية الموجودة في هذه النفايات تختلط مع الماء، وهذا ما تسبب بهذه الظاهرة، وذكر بعض السكان لصحيفة روسية محلية أنهم شاهدوا هذه الظاهرة من قبل.
أعذار غير مقبولة
وكما كان متوقعا، فإن “نوريلسك نيكل” Norilsk Nickel المصنع الأكبر في إنتاج وتصنيع النيكل والبلاديوم، لن يعترف بسهولة بأنه المسبب لهذا التلوث المسبب لتلون النهر. وبالفعل، فقد اعتبر القيمون على المصنع لوكالة أنباء “ريا نوفوستي” أن “لون النهر اليوم لا يختلف عن حالته المعتادة”! وعلاوة على ذلك، لم يتردد مديرو المصنع في تقديم أعذار غير مقبولة والطلب من السكان المحليين تجاهل المخاطر الصحية لهذه الكارثة، قائلين بأن مياه النهر ليست مرتبطة مع إمدادات المياه في المنطقة.
وذكرت يكاترينا باساليغا Yekaterina Basalyga، وهي من سكان مدينة نوريلسك، التي نشرت صورة النهر على حسابها في إنستاغرام، أن “ما هو أكثر ترويعا من رؤية النهر بلونه الأحمر، هو رؤية الناس يجمعون الفطر والتوت من المنطقة المحيطة بالنهر الأحمر” غير عابئين بالمخاطر المحتملة.
وأضاف كوهين أن السلطات غير قادرة على اتخاذ تدابير من أجل تنظيف النهر، كل ما يمكن فعله هو الانتظار لتعود مياهه نقية من تلقاء نفسها، حتى تخف تراكيز المعادن بما فيه الكفاية وتعود المياه آمنة مرة أخرى، وهذا الامر قد يستغرق ساعات أو أيام، وذلك حسب تراكيز المعادن الموجودة حاليا في المياه.
