"تقاسمنا ألم المرض وشبح الموت الذي قد يداهمنا في أي لحظة، مثلما تقاسمنا مشاعر الحب والرغبة في الحياة بعد أن كان كل منا مثقلاً بهمومه لوحده كلما وطأت قدمانا غرفة غسيل الكلى"، بهذه الكلمات استهلّت الشابة مروى الورغي (26 عاماً) حديثها مع "هاف بوست عربي"، والتي لم يمض على عقد قرانها مع حبيبها مالك (43 عاماً) سوى بضعة أيام.
الشابة التونسية التي تعاني من قصور كلوي منذ ولادتها استطاعت أن تهزم المرض وتعيش حياتها الخاصة كأي فتاة في سنّها، لكن بتفاصيل مختلفة قد تبدو غريبة بعض الشيء، فالأقدار جمعتها بحبيبها "مالك" في أحد مراكز غسيل الكلى بجهة قمرت بالعاصمة؛ فكان لقاؤهما الأول منذ خمس سنوات مضت، واستمر حتى تُوّج بعقد قرانهما قبل أيام.
وتقول مروى: "التقيت بمالك في مركز غسيل الكلى وكان كل منا منهكاً نفسياً وجسدياً، كنا نتبادل الابتسامات والنظرات بشكل عفوي، ثم صرنا نشكو همنا لبعض ونرفع معنوياتنا، وما عزز قربنا لبعض هو سكننا بنفس المنطقة، حيث كنا نمتطي نفس وسيلة النقل ونذهب سوياً لموعد الغسيل الكلوي بجهة قمرت".
فارق السن كما توضح الشابة لم يكن عائقاً بل حافزاً لها لمواصلة علاقتها مع حبيبها رغم "كلام الناس" حيث بددت مشاعر الحب والخوف على بعضهما البعض كل تلك الفوارق.
وتضيف: "كنا في البداية نستأنس ببعض ويواسي كل منا الآخر، لكن مع تواصل العلاقة لمدة خمس سنوات اقتربنا أكثر من بعضنا البعض وتحول ذلك الإحساس بالوناسة إلى رغبة في تكوين مؤسسة زواج والدخول في علاقة رسمية".
ولم تخف مروى في الوقت نفسه خوفها من تجربة الزواج وإنجاب الأطفال بالنظر لحالتها الصحية، لكنها عازمة على أن تعيش حياتها بشكل طبيعي مع من اختاره قلبها.
مفاجأة قبل عقد القران
المثير في قصة مالك ومروى، أنه قبل موعد عقد القران الذي حدداه بأسابيع، حدثت مفاجأة لم يحسبا لها حساباً، وهي ورود اسم مالك في قائمة المنتفعين بزرع كلية بعد سنوات من الانتظار، ما جعل الفرحة فرحتين، ممزوجة بالخوف حسبما وصفت مروى، لا سيما وأن الخضوع لعملية زرع كلية "ليس أمراً هيناً".
وأوضحت أن مالك تردد في القيام بالعملية قبل عقد قرانه، لكنها أقنعته بضرورة القيام بها.
وتتابع قائلة: "استجاب الله لدعائي ودعائه، وقام زوجي من العملية بسلام والحمد لله، وبدأنا بعدها بإجراءات عقد القران".
وتوالت المفاجآت لمالك ومروى حتى قبل عقد القران، حيث فوجئ كلاهما باقتراح من إدارة مستشفى شارل نيكول بتونس العاصمة، بالقيام بحفل زواجهما داخل المستشفى في بادرة هي الأولى من نوعها منذ عشرات السنين.
وتم عقد قران الزوجين بحضور الأهل والأصحاب والكوادر الطبية في المستشفى، ووزيرة الصحة التي قدمت خصيصاً لتهنئة العروسين.
وشددت مروى في آخر حديثها على أن تجربتها هي رسالة لكل المرضى بالقصور الكلوي بأن "يعيشوا حياتهم ويحبوا ويفرحوا لأن المرض ليس عائقاً أمام الحب والزواج".
زرع ثقافة التبرع بالأعضاء
من جهتها، أكدت سعاد الصدراوي، مديرة مستشفى شارل نيكول في حديثها لـ"هاف بوست عربي"، أن الزوج مالك -الذي تمتع بزرع كلية مؤخراً ولايزال تحت المراقبة في المستشفى- حرص على عدم تغيير موعد عقد قرانه بحبيبته مروى، وهو ما دفع إدارة المستشفى للاستجابة لطلبه، وتم إبرام حفل عقد القران داخل أروقة المستشفى مباشرة بعد أن تكللت العملية بالنجاح حرصاً على متابعة حالته الصحية.
وتشدد مديرة المستشفى على أن الهدف من هذه الخطوة التي لم يشهدها المستشفى منذ تأسيسه هو إرسال رسائل أمل لكل المرضى بالقصور الكلوي وبأن الحياة لا تتوقف عند المرض، بل تتواصل بشكل عادي فضلاً عن رغبة إدارة المستشفى في زيادة الوعي مجدداً بثقافة التبرع بالأعضاء و"بأن من أعطى عضواً لمريض، فهو بالتالي وهبه الحياة بعد أن كان ينتظر الموت في أي لحظة" على حد تعبيرها.
الصدراوي عبّرت عن أسفها لتراجع ثقافة التبرع بالأعضاء بين التونسيين مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة، مشددة على أن تعميم ثقافة كتابة متبرع على بطاقة هوية أي شخص من شأنها أن تخفف العبء القانوني على العملية ذاتها، سواء كان الشخص على قيد الحياة أو بعد مماته لتفادي أي إشكال قانوني مع عائلته.
ونفت نفياً قاطعاً ما يشاع في الإعلام التونسي حول عمليات سرقة أعضاء بمستشفيات تونسية أو التلاعب بها مؤكدة أن مثل هذا التداول السلبي لهذه المسألة ساهم بشكل أو بآخر في تراجع أعداد المتبرعين وفقدان الثقة بين المتبرع والإطار الطبي.