اختر لغتك

مشروع ReGnR يعيد الأمل لفلاحي جندوبة

مشروع ReGnR يعيد الأمل لفلاحي جندوبة

مشروع ReGnR يعيد الأمل لفلاحي جندوبة

في ولاية جندوبة حيث تلتقي خضرة الغابات بخصوبة الحقول يتبدد اليوم المشهد المألوف شيئا فشيئا أمام زحف التغيرات المناخية، فما كان في الماضي نعمة مطمئنة أصبح اليوم مصدر قلق دائم إذ لم تعد الأمطار تهطل بالكميات المعتادة ولا في الأوقات التي يحتاجها الفلاحون ولعل الأرقام أصدق من كل وصف فهي تكشف أن معدل التساقطات في جندوبة تراجع من 775.9 ملم سنة 2019 إلى 357.4 ملم سنة 2023 أي بانخفاض تجاوز النصف في ظرف أربع سنوات فقط، ولم يتوقف الأمر عند الكم بل شمل أيضا التوزيع الزمني حيث انخفض عدد الأيام الممطرة من 106 يوما إلى 87 يوما في الفترة نفسها، ومن هنا تتضح العلاقة المباشرة بين المناخ المتقلب والأرض المتعبة والإنسان الذي يكافح للحفاظ على مورد رزقه.

ولأن الأزمة لم تعد عابرة بل هيكلية فقد باتت الحاجة ملحة إلى تدخل يتجاوز الحلول التقليدية، وهنا يبرز مشروع "تعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال حوكمة التصرف في الموارد الطبيعية – ReGnR" كإجابة عملية على سؤال ملح.كيف يمكن تحويل التحدي إلى فرصة؟ والجواب كما يقدمه المشروع يكمن في تثمين المياه الخضراء، هذه المياه التي تتسرب إلى التربة وتغذي الزراعات البعلية طالما كانت ثروة صامتة مهملة وكن مع تزايد ندرة الموارد المائية الأخرى باتت هي الرصيد الاستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

ومن هذا المنطلق، يقترح المشروع سلسلة من الممارسات المترابطة التي لا يمكن النظر إلى كل منها بمعزل عن الأخرى، فالتشجير الغابي والرعوي لا يخلق فقط غطاء نباتيا بل يرسخ جذورا تثبت التربة وتحد من الانجراف وهو ما يتيح للمياه التغلغل ببطء نحو العمق بدلا من أن تجرفها السيول،والزراعات البينية مثل دمج الزيتون مع الحبوب أو إدماج البقوليات والأعلاف تعزز بدورها خصوبة الأرض بفضل تنوع الجذور وتقلل من التبخر بفضل التنوع الغطائي، أما التسميد العضوي.فهو ليس مجرد عملية إغناء للتربة لكنه رهان على استدامة خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة، ثم تأتي الأشغال الميكانيكية من أحواض فردية وحواجز حجرية ومصاطب لتلعب دور الحارس الذي يمنع المياه من الهدر ويعيد توجيهها نحو حيث تحتاجها النباتات، هكذا يصبح كل عنصر من هذه العناصر لبنة في بناء متكامل يهدف إلى صمود الأرض والفلاح معا.

غير أن هذه الممارسات لن تؤتي ثمارها ما لم تسند بإطار قانوني صارم وواضح وهنا يحضر القانون التونسي كدعامة أساسية، فقد نصت مجلة المياه في الفصل 2 على أن "المياه ملك عمومي لا يجوز تملكه أو التصرف فيه إلا في حدود ما يقره القانون" مؤكدة بذلك أن الماء مورد جماعي لا يمكن التفريط فيه، كما شددت المجلة في الفصلين 152 و153 على عقوبات ضد من يسيء استغلال المياه أو يبددها، وفي السياق نفسه أكدت مجلة الغابات لسنة 1988 في الفصل 3 أن "الغابة ملك عمومي وطني ويجب المحافظة عليها وعلى مواردها الطبيعية بما يضمن التوازن البيئي" بينما نصّ الفصل 65 على عقوبات ضد الاعتداءات على الغطاء الغابي، كل هذه النصوص القانونية وإن بدت في ظاهرها أحكاما جامدة إلا أنها في واقع الحال تمثل صمامات أمان ضرورية تضمن أن لا يتحول الاستغلال الفلاحي إلى تهديد للثروة الطبيعية.

وعلى المستوى الدولي، لا يمكن عزل هذه الجهود عن التزامات تونس ضمن اتفاقية باريس للمناخ (2015) ولا عن المخطط الوطني للتأقلم مع التغيرات المناخية الذي يضع تحسين إدارة الموارد المائية في قلب أولوياته، إذ أن الربط بين المحلي والقانوني والدولي هنا ليس مجرد ترف بل ضرورة لأن التغير المناخي لا يعترف بالحدود ولأن مواجهة آثاره تتطلب تنسيقا متعدد المستويات.

ومع ذلك، يظل الفلاح في قلب المعادلة ولأجل إشراكه فتح المشروع الباب أمام أصحاب المستغلات في معتمديتي فرنانة وغار الدماء مثلا لتقديم مقترحات مشاريع عبر منصة رقمية مع تحديد يوم 30 أكتوبر 2025 كآخر أجل للترشح، وهذه العملية التقييمة التي تقوم بها لجنة مستقلة لا تقتصر على الجانب الفني بل تشمل الجدوى الاقتصادية، الكلفة الاستثمارية، القيمة المضافة، ومدى انسجام المشروع مع أهداف البرنامج مع منح أولوية لمشاركة النساء والشباب انسجاما مع ما نص عليه الدستور في الفصل 21 من مبدأ المساواة.

لكن، وبرغم كل هذه الآليات فإن الواقع لا يخلو من عوائقف فضعف الإمكانيات المادية، صعوبة التخلي عن عادات فلاحية متوارثة، نقص المرافقة التقنية وأحيانا بطء الإجراءات الإدارية كلها عوامل يمكن أن تحد من سرعة الإنجاز، ومع ذلك يبقى الرهان على تلاقي القوانين الوطنية والدعم الدولي والمبادرات المحلية يظل قائما كفرصة قد لا تتكرر.

هكذا، يصبح الحديث عن "المياه الخضراء" حديثا عن أكثر من مورد طبيعي فهو حديث عن الأمن الغذائي، عن الاستقرار، لاجتماعي، عن حق الأجيال القادمة في أرض صالحة وماء متاح. ومن هنا تتجلى قوة الربط بين الأرقام التي تكشف حجم الأزمة والقوانين التي تضبط سبل الاستغلال والممارسات التي تترجم النظرية إلى واقع، وفي النهاية جندوبة بما تعيشه اليوم تقدم دائما وأبدا صورة مصغرة لمستقبل تونس بأسره فإما أن تثمن كل قطرة ماء وتحمى كل شجرة أو أن يتحول شبح التصحر إلى حقيقة لا رجعة فيها.
وفي إطار برنامج التوسع في تنفيذ الممارسات الجيدة لتعبئة وتثمين المياه الخضراء بمعتمديتي فرنانة وغار الدماء من ولاية جندوبة المنفذ من قبل ديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بالشراكة مع مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية من خلال حوكمة التصرف في الموارد الطبيعية بولاية جندوبة «ReGnR»، انطلقت الأيام التحسيسية لفائدة الفلاحين والفلاحات الذين عبّروا عن اهتمامهم بالمشاركة في المرحلة الأولى وتمّ قبولهم لاقتراح مشاريع في إطار البرنامج. وقد انطلقت هذه الأيام ابتداء من يوم 09 سبتمبر 2025، وستتواصل إلى غاية 15 أكتوبر 2025، وتشمل مختلف مناطق تدخل المشروع بمعتمديتي فرنانة وغار الدماء، أما المرحلة الثانية من البرنامج تتم عبر منصة رقمية حيث يمكن تقديم المطالب من خلال الرابط التالي:

https://kobo-ee.giz.de/x/d6vwbxxz

آخر أجل لتقديم المطالب هو 30 أكتوبر 2025، والمشاركة في هذه المرحلة حصرية للمترشحين والمترشحات المقبولين في المرحلة الأولى ويتم الولوج إلى الاستمارة باستعمال المعرّف الوحيد المرسل عبر الإرسالية القصيرة (SMS)للمساعدة أو لمزيد من الإرشادات كما يمكنكم الاتصال بأقرب إدارة محلية لديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بغار الدماء أو بفرنانة.

Please publish modules in offcanvas position.