في خطوة وُصفت بأنها "تطور مقلق"، أعلنت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب – مكتب تونس، الأربعاء 5 نوفمبر 2025، أنها تلقّت إشعارًا رسميًا من السلطات يقضي بتعليق نشاطها لمدة 30 يومًا، لتنضم بذلك إلى سلسلة المنظمات غير الحكومية التي شملتها قرارات التجميد مؤخرًا، في مشهد يُعيد طرح تساؤلات حارقة حول مستقبل الحريات في البلاد.
وجاء في بيان المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقرًا رئيسيًا لها، أن القرار "يُجبر المكتب على تعليق كل أنشطته الميدانية، بما في ذلك تقديم الدعم القانوني والنفسي لضحايا التعذيب وعائلاتهم"، معتبرة أن الخطوة تمثل "ضربة موجعة لضحايا الانتهاكات" ولعمل المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس.
🔍 سلسلة قرارات تثير الجدل
قرار تعليق نشاط مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب يأتي بعد أيام فقط من قرارات مشابهة طالت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حيث أوقفت السلطات نشاطهما لمدة شهر بدعوى "مخالفات إدارية تتعلق بنظام الجمعيات".
لكنّ منظمات حقوقية محلية ودولية اعتبرت أن ما يحدث هو "تضييق ممنهج على الفضاء المدني"، محذّرة من تداعياته على سمعة تونس الحقوقية التي لطالما كانت تُعدّ "استثناءً ديمقراطيًا" في المنطقة.
🗣️ ردود فعل وتحذيرات دولية
في تصريح لـ وكالة فرانس برس، أكدت رجاء الدهماني، رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، أنها تسلّمت القرار رسميًا، معتبرة أنّ الإجراء "يأتي في سياق حملة ترهيب تستهدف الجمعيات المستقلة".
من جهتها، عبّرت عدة منظمات دولية عن قلق متنامٍ من "المنحى التصاعدي للقرارات الإدارية التي تضرب قلب العمل الجمعياتي في تونس"، مشيرة إلى أنّ تكرار هذه الإجراءات يهدد بإغلاق المجال العام ويدفع العديد من الجمعيات إلى الصمت أو تعليق أنشطتها تجنبًا للملاحقة.
⚖️ بين خطاب السلطة وهواجس المجتمع المدني
يأتي هذا التصعيد في وقت تتزايد فيه اتهامات الرئيس قيس سعيّد لعدد من المنظمات بـ"تلقي تمويلات أجنبية مشبوهة لخدمة أجندات سياسية"، وهي اتهامات يراها مراقبون محاولة لتبرير تشديد الرقابة على المجتمع المدني، الذي يشكّل أحد أبرز ركائز الانتقال الديمقراطي منذ 2011.
منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021، تتكثف التحذيرات من تراجع الحريات العامة وتزايد الملاحقات ضد الصحفيين والمعارضين والحقوقيين، وسط مؤشرات على تضييق متزايد على الجمعيات المستقلة التي كانت في السابق شريكًا فاعلًا في مراقبة السياسات الحكومية والدفاع عن الضحايا.
⚠️ بين حديث السلطات عن "تطبيق القانون" وتحذيرات المنظمات من "تكميم الأصوات"، تبدو تونس اليوم أمام مفترق حاسم: فإما الحفاظ على ما تبقّى من مكتسبات الحريات، أو الانزلاق نحو مشهد يُعيد إلى الأذهان سنوات الصمت والخوف قبل الثورة.



