الالتباس بين الاقتصاد والدبلوماسية يزيد من حدة الضغوط الخفية.
الجزائر - صرح مدير الإعلام في وزارة الخارجية الجزائرية بأن بلاده تنأى بنفسها عن الصراع المشتعل في أوكرانيا بين روسيا وأوروبا، تماشيا مع مبادئها الدبلوماسية التقليدية، ويعد هذا التصريح أول موقف رسمي تصدره الجزائر تجاه الأزمة المذكورة، رغم وقوعها في صلب الصراع بسبب ضغوط الطرفين عليها بشأن إمدادات الغاز.
وكشف المسؤول عبدالحميد عبداوي بأن “بلاده تنأى بنفسها عن النزاع المشتعل في أوكرانيا بين الروس والأوروبيين، وفاء لتقاليدها الدبلوماسية، الرافضة لأي تورط في الشؤون الداخلية للدول”، ويعد هذا التصريح هو أول موقف رسمي يصدر عن الجزائر تجاه الأزمة المذكورة، لكنه يبقى ملتبسا بالعديد من المؤشرات التي أضفت حالة من الغموض عليه.
ويبدو أن الجزائر الواقعة تحت ضغوط مختلفة بسبب طلبات إمدادات الغاز، تسعى من هذا الموقف للعزل بين ما هو اقتصادي وما هو دبلوماسي، فإذا عبرت عن استعدادها لتلبية الطلبات المتزايدة على الغاز من طرف دول أوروبية، امتنعت عن التصويت على اللائحة الأممية التي أدانت الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بغية إبراز موقفها المحايد.
لكن في ظل التعقيدات المحيطة بالأزمة المذكورة، تجد الجزائر نفسها أمام التباس بين الشقين الاقتصادي والدبلوماسي، على اعتبار أن الغاز بات ورقة ضاغطة في أيدي الطرفين، حيث ترفض روسيا ضمنيا أي تفاعل إيجابي مع الطلبات المذكورة، لأن ذلك يضعف موقفها الطاقوي، بينما الدول الأوروبية تسعى لتأمين حاجياتها والتخلص التدريجي من التبعية للنفط والغاز الروسي.
واكتفت الخارجية الجزائرية طيلة الأيام الأخيرة بإصدار بيانات مقتضبة تتعلق بشؤون الجالية الجزائرية في أوكرانيا، وتفادت التطرق للجانب الدبلوماسي الذي لم يكشف عنه إلا الأحد على لسان مدير الاتصال والإعلام في تصريح لقناة الشروق نيوز المحلية، ولو أن الامتناع عن التصويت على اللائحة الأممية ترجم بشكل ضمني الموقف المذكور.
وأبان ارتباك إدارة شركة سوناطراك النفطية المملوكة للدولة، في التعاطي مع التصريح الذي أدلى به لصحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية، عن وقوع الجزائر تحت ضغوط من طرفي الأزمة، فقد سارعت الشركة إلى نفي المفردات التي تناولت “استعداد الجزائر لتلبية الحاجيات الأوروبية من الغاز، واعتبار القارة الأوروبية السوق المفضلة للجزائريين في هذا المجال”، وحتى تقديم شكوى لدى قضاء العاصمة بدعوى “تحريف الصحيفة والتلاعب بتصريح الرئيس التنفيذي للشركة لها”، وهو ما اعتبر رسالة دبلوماسية مبطنة للسفير الروسي عن التزام الجزائر بعلاقاتها الاستراتيجية والتاريخية مع موسكو.
وركز مدير الإعلام في الخارجية الجزائرية في تصريحه على شؤون الجالية الجزائرية في أوكرانيا، حيث كشف عن “اجتياز 1400 جزائري الحدود الأوكرانية منذ بداية العملية العسكرية الروسية، وأن حماية الرعايا الجزائريين في الخارج أولوية الأولويات لدى السلطات الجزائرية”.
وأضاف “ستتم برمجة رحلات إجلاء حسب طلب الرعايا الجزائريين، ولم يتم تسجيل أي حالة وفاة جديدة لدى الجالية الجزائرية في أوكرانيا، باستثناء الطالب الجزائري الحامل للجنسية الإماراتية، الذي حالت الأوضاع الأمنية دون إعادة جثمانه إلى أرض الوطن”.
وجاءت تطمينات المسؤول الدبلوماسي في ظل تنامي الانتقادات لأداء الأجهزة المختصة في استعادة الرعايا الجزائريين المقيمين في أوكرانيا لحد الآن، أو الذين نزحوا إلى الدول المجاورة، حيث تعتبر الجزائر آخر دولة مغاربية تبرمج رحلات العودة مقارنة بتونس والمغرب، ولم يعد لحد الآن إلا 76 جزائريا نزحوا إلى رومانيا على متن رحلة خاصة للخطوط الجوية الجزائرية.
وكان وزير الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة قد صرح للصحافيين عند استقبال هؤلاء بأن “هناك أربع رحلات أخرى لاستعادة الرعايا الجزائريين من أوكرانيا ودول الجوار”، لكن الرقم يبقى دون تلك التي تتحدث عن وجود نحو 2000 جزائري على الأراضي الأوكرانية، في صورة مهاجرين أو طلبة جامعيين.
وأضاف “مصالح سفاراتنا مجندة على مستوى الحدود مع أوكرانيا لتسهيل عبور أعضاء جاليتنا نحو رومانيا والمجر وبولونيا، وأن الإجلاء لا يتم بشكل إجباري، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار رغبة أعضاء جاليتنا في العودة أم لا إلى أرض الوطن، وأن الكثير من الرعايا الجزائريين الذين وصلوا إلى عواصم البلدان المذكورة لم يرغبوا في الإجلاء في رحلة اليوم بالرغم من توفر الأماكن في الطائرة”.
وتابع “البعض منهم يتمنون الرجوع إلى مقاعد الدراسة في الجامعات في القريب العاجل، وآخرون بقوا لأسباب أخرى، والسفارات والقنصليات الجزائرية تبقى على أتم الاستعداد للتكفل بكل جزائري يرغب في العودة إلى أرض الوطن”.
وقررت الجزائر إجلاء عائلات موظفي سفارتها في العاصمة الأوكرانية كييف، بسبب العملية العسكرية الروسية الجارية هناك، مع الإبقاء على الموظفين والسفير، وذلك على متن الرحلات الخاصة التي خصصت للرعايا المقيمين بأوكرانيا.
ووصفت دوائر مقربة من السلطة الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة، أو التصريح الصادر عن مسؤول الاتصال في الخارجية، بـ”الحكيم” و”العقلاني”، وذكر أستاذ العلاقات الدولية لزهر ماروك أنه “من المؤكد أن الجزائر ضد الحرب التي من شأنها أن تخلف نتائج سلبية على الأطراف المتصارعة، وموقفها يعكس دهاء وحكمة الدبلوماسية الجزائرية”.
وأضاف “حيادية الجزائر وعدم تورطها في وحل الحرب الإعلامية وخطاب الشحن الذي تمارسه مختلف الأطراف المتفرجة بنية تصعيد الأزمة، هو النهج الذي تتبناه الدبلوماسية الجزائرية خلال كل الأزمات الدولية، ورغم التقارب بينها وبين روسيا، إلا أنها عملت على الوقوف على مسافة واحدة من كل أطراف الأزمة والسير بها باتجاه الحلحلة بدل التصعيد”.