في إطار سعي تونس لتعزيز جودة السياسات العمومية، تم يوم الخميس 24 أكتوبر 2024 إطلاق "المرصد التونسي للسياسات العمومية"، كمنصة متخصصة في دعم مسار اتخاذ القرارات التنموية من خلال تقديم بيانات ومعلومات دقيقة ومستجدة، ويأتي هذا المشروع كتطور ملحوظ في مسار العمل العمومي، إذ سيؤمن للجهات المعنية مرجعا وطنيا متكاملا لتحليل ودراسة السياسات، بما يواكب متطلبات التنمية المستدامة ويضمن تكامل السياسات مع احتياجات المجتمع التونسي.
حيث يرتكز المرصد التونسي للسياسات العمومية على منهجية علمية محكمة تجمع بين جمع البيانات وتحليلها، وهو ما سيساهم في تحسين استجابة السياسات العمومية لواقع البلاد المتغير، فبالاستناد إلى المعلومات المجمعة، تستطيع الجهات الحكومية ودوائر صنع القرار إجراء التعديلات الضرورية على البرامج الحالية وتوجيهها بما يتوافق مع الأهداف الوطنية للتنمية، ويمثل في الآن ذاته أداة لمتابعة تنفيذ المشاريع، مما يعزز الشفافية والمحاسبة، ويتيح للشعب مراقبة الجهود التنموية التي تبذلها الدولة.
وفي إطار إطلاق المرصد، أعلن المسؤولون عن الشروع في مرحلة نموذجية ستشمل محورين رئيسيين، تمثلت الأول محور جهوي يركز على المشاريع العمومية في ولاية جندوبة للفترة بين 2011 و2023، وقد هدف هذا المحور إلى تقديم تحليل شامل لأداء المشاريع المحلية وآثارها على المجتمع، هذا ويعد اختيار ولاية جندوبة بمثابة خطوة تجريبية، ستساعد على تطوير منهجيات وإجراءات المرصد لتشمل لاحقا بقية الولايات في كافة ربوع الجمهورية التونسية.
أما المحور الثاني، فقد تطرق الى المستوى الوطني مركزا في طياته على إدارة النفايات والتصرف فيها على مستوى الجمهورية التونسية، وهو من الملفات البيئية ذات الأولوية، ومن خلال تسليط الضوء على هذا الملف، يسعى المرصد إلى تقديم قاعدة بيانات علمية متكاملة، تسهم في تطوير خطط أفضل للتصدي لتحديات النفايات بما يضمن بيئة نظيفة ومستدامة للأجيال القادمة.
هذا وتخللت الندوة إطلاق عرض النسخة الأولى من المنصة الرقمية الخاصة به، حيث اطلع الحضور على هيكلها، مميزاتها، وإمكانياتها التفاعلية، وتمت مناقشة تحسينها لضمان الوصول إلى أكبر شريحة من المهتمين، اذ ستتيح هذه المنصة الوصول إلى بيانات محدثة، وتقارير تحليلية، وأدوات لتقييم أداء المشاريع العمومية، وهو ما سيمكن المواطن من متابعة تطور المشاريع وتقييم مدى توافقها مع الأهداف المرجوة، كما تم التاكيد على أنه سيصبح متاحا للاستخدام العام عبر المنصة اعتبارا من يوم الجمعة 1 نوفمبر 2024، مما سيساهم في تكريس مبدأ الشفافية في العمل الحكومي وإشراك المواطنين في متابعة تنفيذ السياسات العمومية.
وفي سياق الندوة، قدمت إدارة المرصد أولى المخرجات التحليلية بناء على البيانات الأولية، مع توضيح أساليب إنتاج المعرفة العلمية المستندة إلى المعطيات الرقمية، ما أثار اهتمام الحضور وساهم في إثراء النقاش حول دور البيانات في تحسين الأداء الحكومي.
كذا وقد حظي إطلاقه بتفاعل واسع من أغلب المشاركين، الذي شمل ممثلي الوزارات والإدارات المركزية والجهوية، إضافة إلى وكالات وطنية، وصحفيين، وأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني، وقد أثنى الجميع على أهمية المبادرة وقدموا توصيات بناءة من شأنها تطوير المرصد وتوسيع مجالاته ليشمل محاور أخرى، وجاءت هذه التوصيات لتعزز الطموح في جعل المرصد نموذجا متكاملا على مستوى الوطن، قادرا على معالجة التحديات التنموية بأفق شامل.
ومع بدء العمل به، يأمل القائمون عليه في أن يصبح أداة مركزية لدعم السياسات التنموية، وتوفير منصة علمية لتحليل البيانات واستخلاص التوصيات، بما يتيح لصناع القرار اعتماد سياسات أكثر دقة وفعالية، فدوره يتجاوز كونه مجرد مشروع، بل يمثل خطوة استراتيجية نحو تكريس رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، ودفع عجلة التنمية المستدامة في مختلف أنحاء البلاد، وتعتبر هذه الخطوة بداية لمسار جديد في التخطيط العمومي قائم على علم البيانات، ما يفتح آفاقا واسعة لتحقيق أهداف تنموية تليق بتطلعات الشعب التونسي وتواكب التحديات الراهنة والمستقبلية.
