انطلاقا من قناعته بأن الثقافة هي الحصن الحصين التي تثبتنا وتجمعنا ولا سبيل لمراجع تفرّق بين المفردات الأساسية للحياة وأننا بالفنون نحيا وأن القوة الحقيقية تكمن في الجهات، حرص وزير الشؤون الثقافية الدكتور محمد زين العابدين منذ إشرافه على تسيير هذه الوزارة على بلورة مشروع ثقافي يتماهى مع خصوصيات الثورة ويكرّس للتمشي الديمقراطي الذي انتهجته البلاد، وبهدف بناء صرح ثقافي بعيد عن الاختلافات السياسية بما يرفع وطننا عاليا، ومن هنا تحوّلت مختلف جهات البلاد وانطلاقا من مدينة القصرين ومنذ يوم 18 سبتمبر إلى مدن للفنون ومشروع للجمال باعتبار أن الثقافة هي أساس تطور المجتمعات ومن خلال برامج للتعبير الركحي والفني والثقافي تكون كفيلة باستقطاب الشباب، ليعلن الوزير بذلك عن انطلاق ولادة جيل جديد من الطموحين المتفائلين وفق برامج ثقافية تكون عملية ومضبوطة الأهداف والميزانيات.
وتأمينا لنجاح هذا التوجّه كلّف الوزير السيدة هيفاء العيّاري بمتابعة مشروع "مدن الفنون" ضمن لجنة وطنية خاصة به، وبالتّعاون مع اللّجان الجهويّة التّي سيكوّنها مثقّفو كلّ ولاية ومبدعوها مع تخصيص اعتمادات ماليّة خاصّة بهذا البرنامج من أجل أن يصبح الفضاء العام فضاءً مبدعا خلاّقا يجعل من كلّ مدينة مركزا للإشعاع الثّقافي لتكون هذه الأخيرة في مستوى هذه المسؤولية ولتنجح من خلالها مصالح وزارة الشؤون الثقافية ومندوبياتها الجهوية في تحويل مختلف مدن البلاد إلى مدن للفنون.
وانطلاقا من هذه التوجهات والمبادئ مرت رحلة مدن الفنون عبر الولايات وبحضور إطارات وزارة الشؤون الثقافية وكافة المندوبين الجهويين وستتواصل لتفتح الوزارة بذلك علاقة جديدة مع الجهات وفق برنامج ثقافي وطني يتحدّى ظاهرة الإرهاب حسب خصوصية كل جهة ليشكّل بانوراما وفسيفساء ثقافية وطنية ضمن ثورة جديدة جميلة وملونة وروح ثقافية خالصة ومتميزة.
ولئن انطلق هذا الحدث من القصرين فهو يؤكّد أن أبناء هذا الوطن لا فرق بينهم إلا بالعمل لأجل الأرض والعلم، والمميّز أن وزير الشؤون الثقافية وعبر هذه الرحلة بين مدن وقرى الجهات الداخلية يقف بنفسه وبعيدا عن البيروقراطية على حقيقة الواقع الثقافي بهذه الجهات ويعاين وضعية المؤسسات الثقافية والمواقع والمعالم الأثرية والفضاءات الخاصة ويلتقي المبدعين في حوار مفتوح حول عديد الإشكاليات بهدف إيجاد حلول لها تجعل من كلّ جهة مركزا تمتّع بحياة ثقافيّة غنيّة وقرار ثقافي مستقلّ ويساهم أبناؤها بمشاريعهم وتصوّراتهم وإبداعاتهم في نحت معالمه وخلال كل رحلة يؤكّد الوزير أن هذا البرنامج سيمتدّ على مدى سنة كاملة، وستعمل الوزارة على الحفاظ على ديمومته واستمراريّته مع برمجة تأهيل المؤسّسات الثّقافيّة وإيجاد حلول جذريّة لمشاكل التّراث وتوفير الوسائل والموارد لمكوّنات المجتمع المدني وأيضا مرافقة المبادرات والمؤسّسات الخاصّة استجابة لمقترحات شباب هذه الجهات ومختلف ممثّلي القطاع الثّقافي بها خلال اللقاءات الحوارية التي تجمعهم مباشرة بالوزير وأعضاده.
وقد تأكّد خلال متابعة "المساء" لهذه الرحلة الثقافية البنّاءة وعي الوزير بمختلف الإشكاليات المطروحة وحرصه على تجاوزها وان قراءتنا لهذه التجربة في انتظار استكمال بقية الرحلة بين ما تبقى من جهات البلاد تؤكّد أن مشروع "مدن الفنون" يستند إلى رؤية ترمي إلى إعادة قراءة السّياسة الثّقافيّة ببناء لا مركزيّة ثقافيّة حقيقيّة تحوّل الجهات إلى أقطاب ثقافيّة تشعّ على بقيّة المناطق المجاورة لها وعلى مختلف جهات الجمهوريّة ومن شأنها كذلك الإشعاع عالميّا اعتبارا لما تزخر به بلادنا من مخزون ثقافي متميّز وفريد وطاقات ابداعيّة خلاّقة قادرة على تحقيق نهضتها الثّقافيّة ودفع الاستثمار بها وإدخال ديناميكيّة اقتصاديّة واجتماعيّة عليها.
