صدر عن دار سحر للنشر كتاب "الدم والدمع والنار: أساطير الآخرة ونهاية العالم"، للباحث والأستاذ الجامعي الدكتور مراد الضويوي، وهو عمل يُضاف إلى سلسلة مؤلفاته في الدراسات الأنتروبولوجية. الكتاب الذي يمتد على 217 صفحة، يقدّم رؤية معمقة حول ثلاثية رمزية متمثلة في الدم، الدمع، والنار، ويرصد مكانتها في المخيال البشري من خلال مقاربة جديدة تجمع بين التحليل الأنتروبولوجي والسيميائي والنفسي.
مقالات ذات صلة:
دراسة جديدة تكشف عن احتياطي هائل من الهيدروجين الطبيعي قد يلبي احتياجات الطاقة للعالم لمدة 200 عام
دراسة ميدانية تكشف عن زيادة جرائم العنف المسلّط على النساء في تونس
الدكتور مراد الضويوي، رئيس قسم علوم التربية بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجندوبة، عُرف بإسهاماته في دراسة الثقافة العربية والإسلامية عبر أعمال مرجعية سابقة، أبرزها "أنتروبولوجيا الإسلام"، حيث تناول التفكير السحري في الثقافة الإسلامية من خلال تحليل نصوص محورية لابن عربي وابن خلدون. في كتابه الجديد، يواصل الضويوي استكشاف بنية المخيال الإنساني، مُعتبرًا الأساطير الأخروية حكايات رمزية غنية بالتشابكات بين الصور والنماذج الأصلية التي تُعبر عن مخزون رمزي مشترك لدى الثقافات المختلفة.
تفكيك أساطير الآخرة: رحلة في أعماق الرموز
يرى المؤلف أن الأسطورة، سواء كحكاية رمزية أو نظام سيميائي، هي انعكاس لأنظمة ثقافية وأنتروبولوجية مترابطة. انطلق في دراسته من تحليل ثلاثية الدم والدمع والنار، معتبرًا إياها تجسيدًا لرحلة الإنسان في مواجهة قضايا الحياة والموت، الجفاف والخصب، والجحيم والفداء.
الضويوي يُطلق على منهجه التحليلي مصطلح "المغامرة العلائمية"، التي تُعنى بدراسة البنية اللغوية والشعورية للأسطورة، إلى جانب استكشاف دلالاتها التاريخية والثقافية والنفسية. يُبرز الكتاب قدرة الرموز على توحيد تجارب إنسانية متباينة عبر رمزية مشتركة، مما يجعلها مفاتيح لفهم المخيال الجمعي.
بين الماضي والمخيال الحيّ
من منظور الضويوي، فإن قراءة الأساطير بعين أنتروبولوجي أو محلل نفسي لا تعني الاكتفاء بالماضي، بل هي محاولة لإحياء الرموز وجعلها ذات صلة بالحاضر. يُجادل المؤلف بأن الرمز الأسطوري ليس مجرد بقايا ثقافية، بل هو طاقة خلاقة تعيد تشكيل المخيال، محذرًا من خطر تحنيط الرموز في أنماط تفكير صلبة قد تُفقدها قدرتها على الإبداع.
في الكتاب، يُظهر المؤلف كيف أن رموزًا مثل الدم والدمع والنار يمكن أن تكون بمثابة "شفرة رمزية" تفكك المخيال الإنساني، خاصة عندما تُقرأ في ضوء تقاطعاتها مع ثقافات وأساطير مختلفة. هذه الرموز، التي تحمل دلالات الألم والتطهير والفداء، لا تزال حيّة في وجدان المجتمعات، وهي تعبير عن بنية عميقة للمخيلة الإنسانية.
إضافة نوعية للدراسات الأنتروبولوجية العربية
الكتاب يُسلط الضوء على فجوة في الدراسات الأنتروبولوجية العربية، حيث يشير الضويوي إلى أن تطبيق المنهج الأنتروبولوجي على التراث العربي الإسلامي لا يزال في مراحله الأولى. ورغم انفتاح هذا المجال على تخصصات متعددة مثل السيميولوجيا، الفلكلور، والفلسفة، إلا أن التحليل العميق للرموز والنماذج البدائية في الثقافة العربية الإسلامية ما زال محدودًا.
من خلال مقاربته، يُقدم المؤلف قراءة جديدة للأساطير الأخروية بوصفها "شعلة رمزية" تتجاوز الحدود الزمنية والجغرافية، ما يجعلها أداة فعالة لفهم الأنظمة الثقافية والنفسية.
الإرث الرمزي بين الثقافات
يُبرز الكتاب الأهمية الجوهرية للأساطير كمنظومات رمزية توحد الثقافات المختلفة عبر دلالات مشتركة. فعلى الرغم من اختلاف السياقات الثقافية والحضارية، فإن رموزًا مثل الدم، الدمع، والنار تظهر باستمرار في ميثولوجيات الشعوب، وهو ما يجعلها محاور أساسية لفهم البنية الرمزية للمخيال الإنساني.
الدكتور الضويوي يرى أن قراءة هذه الرموز في ضوء التحليل الأنتروبولوجي والسيميائي تفتح آفاقًا جديدة لدراسة التراث العربي الإسلامي، خاصة في زمن أصبحت فيه المقاربات البينية ضرورة لفهم التعقيدات الثقافية والرمزية.
يُعد كتاب "الدم والدمع والنار: أساطير الآخرة ونهاية العالم" إضافة قيمة للمكتبة العربية، خاصة في مجال الدراسات الأنتروبولوجية. بفضل رؤيته المتعمقة ومنهجه التحليلي، يُسهم الضويوي في إحياء الرموز والأساطير كمفاتيح لفهم المخيال البشري، مؤكدًا أن الأسطورة ليست بقايا ماضٍ مندثر، بل هي نافذة مفتوحة على الحاضر والمستقبل.
