رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي سيعقد اجتماعا ثانيا مع ممثلي الأحزاب لتحديد تشكيلة الحكومة في ظل رفض البعض الانضمام إلى ائتلاف حكومي تقوده النهضة.
يدفع تراجع أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحركة تحيا تونس عن المشاركة في الحكومة الجديدة، واختيارها الاصطفاف في موقع المعارضة، حركة النهضة المعنية بالمشاورات الحكومية إلى إبرام تحالف مع حزب قلب تونس، ومحاولة استغلال انسداد المشاورات لتروّج أنه تحالف اضطراري مع حزب انتقدته جهرا، غير أنها تدفع بهذا السيناريو منذ البداية سرا، لما سيمنحها من حزام سياسي قوي في المشهد الجديد.
تونس- أعلن حزبا التيار الديمقراطي وحركة الشعب في تونس، الأحد، عدم مشاركتهما في ائتلاف حكومي تجرى مشاورات بشأن تشكيله عقب اجتماع مجلسيهما الوطني، ما قد يدفع رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي إلى الالتجاء إلى ورقة التحالف مع أحزاب وازنة أخرى ويرجج أن يكون في مقدمتها حزب قلب تونس، بهدف الحصول على أغلبية مريحة تتيح له تشكيل فريقه الحكومي في الآجال الدستورية.
وبرر التيار قراره بأن التصور العام للحكومة “لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة على البلاد”، وأعلن أنه أبلغ رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بموقفه. وقال الحزب إنه سيعمل على أن يكون معارضة نزيهة وجدية ومسؤولة.
من جانبه، أعلن حزب حركة الشعب أيضا عن عدم الدخول في ائتلاف حكومي لاعتراضه على منهجية تشكيل الحكومة. وقال أمين عام الحزب زهير المغزاوي إن “عرض رئيس الحكومة المكلف لا يلبي الحد الأدنى مما طلبته حركة الشعب، وهي بالتالي غير معنية بالدخول في الحكومة”.
ويشكل الحزبان معا كتلة موحدة بمعية عدد من المستقلين، وتعد الكتلة الثانية في البرلمان، وهما من بين الأحزاب الأربعة التي التقت برئيس الحكومة المكلف، الجمعة، للاتفاق حول ائتلاف حكومي.
بدوره حسم حزب تحيا تونس الذي يقوده رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية يوسف الشاهد، مسألة الانضمام إلى ائتلاف حكومي تقوده حركة النهضة الإسلامية الفائزة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر الماضي.
وأكد القيادي بحزب تحيا تونس مهدي عبدالجواد في تصريح لإذاعة محلية، الأحد، أن “الموقف الرسمي والثابت للحزب هو حكومة مصلحة وطنية” وأن” الحزب غير معني بالمشاركة في الحكومة المرتقبة”.
ويحرج رفض الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة، رئيس الحكومة المكلف الذي يعد التونسيين بتشكيلها في أقرب الآجال.
وفيما لم يعلق على قرار انسحاب الأحزاب من المشاورات الحكومية الأحد، جدد الجملي تأكيده أنه “ستكون للتونسيين حكومة الأسبوع المقبل (الأسبوع الجاري)”، مشيرا إلى “سيناريوهات محتملة”.
بدوره أوضح قيس العرقوبي المكلف بالإعلام لدى رئيس الحكومة المكلف، في تصريح لـ”العرب” أن “الجملي سيعلن موقفه الرسمي من المشاورات عقب إدلاء جميع الأحزاب بمواقفها النهائية، وسيشرح طبيعة الحكومة المرتقبة للرأي العام عبر ندوة صحافية الاثنين”. وأشار العرقوبي إلى أن “جميع سيناريوهات التحالف واردة أمام الجملي”.
ويتوقع المتابعون أن تدخل حركة النهضة في تحالف مع حزب قلب تونس حتى تتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي. وسبق أن كشفت مصادر لـ”العرب” عن تفاهمات سرية أبرمت بين النهضة وقلب تونس لحل أزمة الحكومة.
وأكدت المصادر أن “الحكومة الجديدة ستتألف من 24 وزيرا بينهم وزراء من حركة النهضة، ومقربون من قلب تونس، ومحسوبون على ائتلاف الكرامة وكتلتي الإصلاح الوطني، والمستقبل”.
ويلفت المتابعون إلى أن سيناريو التحالف مع قلب تونس يعد الخطة الأولى المفضلة لدى الحركة لما سيمنحه لها من حزام سياسي قوي، على شاكلة تحالفها السابق مع حزب نداء تونس عقب انتخابات عام 2014.
ولئن جاهرت النهضة برفضها التحالف مع قلب تونس التي تتهمه بالفساد، فقد دفعها انسداد المشاورات مع بقية الأحزاب، خاصة المحسوبة على الثورة، إلى إبرام تفاهمات معه سرا، الأمر الذي يمهد لدخولهما في تحالف في الحكومة الجديدة.
وستسمح مواقف الأحزاب الرافضة للتحالف معها بتبرير خطوة التحالف مع قلب تونس أمام الرأي العام وخاصة أمام ناخبيها، ما من شأنه أن يحفظ ماء الوجه لحركة النهضة. وأكد رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، الأحد، خلال ندوة صحافية للحزب بمقره “أنه في حال توفرت شروطهم فإنهم سيدعمون حكومة الجملي”.
وبين أن من بين شروطهم تكوين حكومة دون محاصصة حزبية وتحييد وزارات السيادة والعمل على تكوين حكومة كفاءات وطنية، وفق تعبيره. ولم يصدر على الفور موقف من النهضة بشأن إعلان الحزبين رفضهما المشاركة في الحكومة الجديدة، ومن المرجح أن تعلن عنه في الساعات القليلة القادمة.
وكانت حركة النهضة (54 نائبا من أصل 217 بالبرلمان) قد أعلنت عن توصلها إلى اتفاق مبدئي لتشكيل الحكومة مع حزب التيار الديمقراطي (22 نائبا)، وحركة الشعب (15 نائبا) وحركة تحيا تونس (14 نائبا).
وسبق أن أعلن التيار أنه غير معني نهائيا بتشكيل الحكومة وأنه لن يصوت لصالحها بالبرلمان، ليعود مطلع الأسبوع الماضي إلى طاولة المفاوضات بعد تلقيه عرضا جديدا من النهضة وقبولها شروطه للمشاركة في الحكومة. لكنّ متابعين شككوا في قدرة هذا الاتفاق على الصمود خاصة وأن انقسامات داخل النهضة تعطل مشاورات تشكيل الحكومة.
واعتبر هؤلاء أنه مجرد اتفاق مبدئي قد يتم نقضه من أيّ طرف وفي أيّ لحظة خاصة بعد الاتهامات المتبادلة بين النهضة والتيار الديمقراطي بشأن المسؤولية عن إبطاء ظهور التشكيل الحكومي.
يشكل الحزبان، التيار والشعب، معا كتلة موحدة بمعية عدد من المستقلين، وتعد الكتلة الثانية في البرلمان، وهما من بين الأحزاب الأربعة التي التقت برئيس الحكومة المكلف
ويلفت هؤلاء إلى الشق النافذ في النهضة، ويقوده راشد الغنوشي ووزير الصحة السابق عماد الحمامي، الذي لا يريد تقديم تنازلات جدية للتيار، وخاصة ما تعلق بمنحه وزارتي العدل والداخلية، ما فجر الخلاف بينهما وحال دون انضمام التيار إلى الحكومة.
وسيعقد الجملي اجتماعا ثانيا مع ممثلي الأحزاب، الاثنين، لتحديد تشكيلة الحكومة وأسماء الوزراء ومن ثم سيجري مناقشة منصبي وزيري الدفاع والخارجية مع رئيس الجمهورية كما ينص على ذلك الدستور.
والأحزاب المعنية بالائتلاف الحكومي هي حركة النهضة الإسلامية الفائزة بالانتخابات التشريعية وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وحزب تحيا تونس. وتحتاج حكومة الجملي إلى تأييد 109 نواب لاعتمادها (50 بالمئة +1).
وبحسب ما أدلى به الجملي، فإن نصف الوزراء سيكونون من المستقلين بينما سيتم تعيين النصف الآخر من بين الأسماء التي سيتم ترشيحها من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي.
