اختر لغتك

حكومة الفخفاخ: خطأ البدايات وخطر النهايات

حكومة الفخفاخ: خطأ البدايات وخطر النهايات

حكومة الفخفاخ: خطأ البدايات وخطر النهايات

الفخفاخ جانب الصواب في استهلال مشاورات التشكيل، فاستثناء بعض الأحزاب من عضوية الحكومة يكون نهاية المفاوضات ونتاجها، وليس بدايتها التي يجب أن تكون مفتوحة للجميع إلا من استثنى نفسه.
 
 
بسُرعة، انتقل التفاؤل السياسي النسبي بتكليف إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة القادمة، إلى التفاؤل الحذر. ويوما تلو آخر، تزداد المقولة السياسية بأن استعصاء تشكيل الحكومة الأولى لم يكن نتاج قلة حنكة الحبيب الجملي أو فشله في حُسن قراءة المكونات السياسية والاجتماعية، بل هو محصلة منطقية لمشهد حزبي وبرلماني متنافر.
 
وكلّما طوي أسبوع من أسابيع المشاورات لتشكيل الحكومة، ازدادت فرضية إعادة الانتخابات البرلمانية ترجيحا، وباتت أعين المتابعين تتجه إلى النقطة الثالثة من المادة 89 من الدستور التونسي والناصة على التوجه إلى انتخابات تشريعية مبكرة بدعوة من رئيس الجمهورية عقب حل البرلمان.
 
صحيح أن هذه الفرضية غير راجحة، إلى حد هذه اللحظة، ذلك أن نوابا كثيرين قَدِموا بمنطق الصدفة البرلمانية، وليس من مصلحتهم إعادة الانتخابات بعد أن تبوّأوا الوجاهة والحصانة، وصحيح أيضا أن الكثير من الكتل البرلمانية قد تختار التصويت النصفي لكتلتها لصالح مرور الحكومة لعدة اعتبارات من بينها الاعتبار الاقتصادي والارتدادات المالية الخطيرة في حال عدم المصادقة على الحكومة.
 
ولكن الصحيح أيضا، أن العديد من الكتل البرلمانية (قلب تونس والدستوري الحر) ترفع الفيتو المبدئي ضدّ حكومة الفخفاخ، وأن أخرى لا تزال تقبع حاليا في المنطقة الرمادية (مثل النهضة وائتلاف الكرامة)، ولو استثنينا التيار الديمقراطي وحركة الشعب فإن البقية غير متحمّسة كثيرا لطريقة الفخفاخ في إدارة المشاورات.
 
يبدو أنّ الفخفاخ جانب الصواب في استهلال مشاورات التشكيل، فاستثناء بعض الأحزاب من عضوية الحكومة يكون نهاية المفاوضات ونتاجها، وليس بدايتها والتي يجب أن تكون مفتوحة للجميع إلا من استثنى نفسه.
 
يبدو أن الفخفاخ لا يُحسن التفريق بين عضوية الحكومة والحزام السياسي والبرلماني المدافع عنها، فعضوية الحكومة قد لا تكون شرطا للانضواء في سياجها البرلماني الذي يبقى الشرط الأساس لنجاح أي حكومة في المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، وأن يستبعد الفخفاخ حزب قلب تونس من المشاركة في الحكومة فهو استدرار مُعارضة وطلب مناوأة كان بالإمكان تفاديه بأكثر من طريقة.
 
ومحكوم على كل من استهل تشكيل حكومته بالشروط أن ينجح بشكل مفارقاتيّ في تشكيل المعارضة وترصيصها وتقويتها، وأن يزيد في المقابل من هشاشة فريقه الحكومي، وإن تشكل فهو على أساس الضدية والتناقض والاصطفاف وهو الخيط الناظم للأطراف المعارضة التي تزداد تماسكا وقوّة.
 
لا يعني هذا الأمر أنّ الحكومات لا تتشكّل وفق الرؤى السياسية ولا وفق الأطروحات والخيارات الكبرى، ولكن السياسة هي فن إدارة التوافقات مع الخصوم وتحجيم الخلافات مع الحلفاء، وليست توسيع التباينات مع الخصوم وتأكيد التحالفات مع الأصدقاء.
 
منذ البداية وقف الفخفاخ على رمال سياسية متحركة، معتبرا أن شرعيته تُستمدّ من شرعية الرئيس قيس سعيد ومن الخزان الانتخابي الذي صوّت له في الجولة الثانية، دون أن يدرك حقيقة أنه سينال تزكية حكومته من البرلمان وليس من الرئيس، وستقع مساءلته من البرلمان وليس من الرئيس، وأنّ أطرافا سياسية لم تنتم أصلا إلى الخزان الانتخابي لسعيّد التقاها الفخفاخ على غرار حزب البديل، كما أنّ حزب تحيا تونس لم يدعم مؤسساتيا سعيّد في الرئاسية، حتّى وإن دعا إلى عدم التصويت لمرشّح الفساد.
 
الأصعب من كل ما سبق كامن في انعدام الثقة بين الكتل والأحزاب السياسية ممن سماها الفخفاخ بالخزان الانتخابي لقيس سعيّد، فلا ائتلاف الكرامة يقبل بالمشاركة في حكومة تضم تحيا تونس، ولا التيار الديمقراطي سيقبل بالتواجد في الحكومة دون وزاراته الثلاث، ولا حركة النهضة نسيت ما تسميه بخذلان رفاق الثورة لتنازلاتها إبان تشكيل حكومة الجملي.
 
وبعبارة أدق، تدافع حركة النهضة على وجود قلب تونس في الحكومة، لا حبا في نبيل القروي وفي حزبه، بل ردا سياسيا على استعصاء التيار الديمقراطي وكتلة الشعب ضدها، ودفعا لهما للشُرب من كأس السم نفسه الذي تجرعته إبان التصويت على حكومة الجملي.
 
ويبدو أنّ عبارة “الاستعداد للانتخابات البرلمانية المبكرة”، الواردة في بيان مجلس الشورى موفى الأسبوع الماضي ترجح أن جزءا من الحركة بات مقتنعا بسيناريو إعادة الانتخابات، كلّف ذلك الأمر ما كلّف.
 
قد يكون مبكرا اختبار جدية الأحزاب السياسية في التلويح بخيار الانتخابات السابقة لأوانها، لاسيما وأنّ فرضية التلويح بالأقصى قصد الحصول على الأفضل قد تكون واردة صلب مشاورات تكوين الحكومة، وخاصة أيضا أنّ نتائج سبر الآراء الصادرة مؤخرا تؤكد أنّ الغالبية الجديدة في حال إجراء الانتخابات ستُشكل كابوسا حقيقيا لحركة النهضة وأنصارها وقد تدفع بالبلاد نحو المجهول.
 
ولكن من يضمن عدم الذهاب إلى خيار إسقاط البيت التشريعي على رؤوس الناخبين والمنتخبين؟ ومن يضمن أيضا عدم الاستبسال وراء الشروط المرفوعة؟ ومن يضمن أيضا جَسر الهوة العميقة بين النهضة والكتلة الديمقراطية؟
 
القادر على الإجابة عن هذه التساؤلات والاستفسارات، هو إلياس الفخفاخ المُطالب اليوم بخطوة إلى الوراء تعيد الزخم إلى مشاوراته وإلى حكومته المقبلة، والنزول من أعلى شجرة الاشتراطات المسبقة.
 
 
 
أمين بن مسعود
كاتب ومحلل سياسي تونسي
 
 
 

آخر الأخبار

القبض على وسام بن يدر: اتهامات بالاعتداء الجنسي في حالة سكر تلاحق الدولي الفرنسي

القبض على وسام بن يدر: اتهامات بالاعتداء الجنسي في حالة سكر تلاحق الدولي الفرنسي

28 ألف مشجع في مواجهة حاسمة: اجتماع أمني يمهد لموقعة الملعب التونسي واتحاد العاصمة الجزائري

28 ألف مشجع في مواجهة حاسمة: اجتماع أمني يمهد لموقعة الملعب التونسي واتحاد العاصمة الجزائري

جريمة في وضح النهار: فيديو صادم لعملية 'براكاج' يهز العاصمة ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي!

جريمة في وضح النهار: فيديو صادم لعملية 'براكاج' يهز العاصمة ويشعل مواقع التواصل الاجتماعي!

القبض على قاتل لاعب الرقبي بالملعب النابلي في نابل

القبض على قاتل لاعب الرقبي بالملعب النابلي في نابل

انطلاق فعاليات الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في القيروان

انطلاق فعاليات الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في القيروان

Please publish modules in offcanvas position.