اختر لغتك

 
التوسع في التكنولوجيا الرقمية ينذر بتغيير أنماط الحياة العربية

التوسع في التكنولوجيا الرقمية ينذر بتغيير أنماط الحياة العربية

السويد تراهن على الشرائح الإلكترونية لتسهيل معاملات مواطنيها اليومية وخبراء يحذرون من أنها اختراق للخصوصية.


لفتت السويد أنظار العالم إلى أسلوب حياة جديد يجمع العامة والخاصة وفي طريقه لمزيد التعميم والانتشار، متمثلا في تخلص مواطنيها من المحفظات الشخصية والمفاتيح وكل ما من شأنه أن يعرض صاحبه للسرقة، واستبدالها بشرائح إلكترونية تزرع تحت الجلد لتقوم بجميع وظائف هذه الأشياء، هذه الريادة تقابل بتحذيرات خبراء يرون أنها اختراق للخصوصية

تسير دول عربية عدة، بخطوات واسعة من أجل اللحاق بركب التكنولوجيا الرقمية والتي أصبحت قطارا يسير بسرعة فائقة، تلهث خلفه الدول النامية للاستفادة بما يوفره التطور على أصعدة مختلفة لمواكبة الدول المتقدمة.

واتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات عملاقة نحو احتضان أحدث الوسائل التكنولوجية بإنشائها وزارة خاصة بالذكاء الاصطناعي، معنية بالأساس بإدخال التكنولوجيا الحديثة في عمليات البناء والتصنيع، وحققت طفرات كبيرة في توظيف التكنولوجيا الرقمية لخدمة البشر.

وأعلنت الحكومة المصرية خلال المؤتمر الدولي السابع للاتصالات، مؤخرا، عزمها المضي في سلسلة من المشروعات الرقمية الحديثة التي من شأنها تطوير البنية التحتية لنظم الحياة في مصر، وأبرزها تفعيل بنك المعلومات، الذي قيل إنه سوف يكون الأكبر على مستوى القارة الأفريقية، وإدخال اللوح الرقمي “التابلت” ليكون جزءا من العملية التعليمية، بدءا من المرحلة الابتدائية وما بعدها.

وهذه النوعية من التوجهات وغيرها، سوف تحدث نقلة في الحياة الاجتماعية العربية، وسوف تكون النقلة أكبر وأعمق إذا جرى التماهي مع ما يحدث في العالم، فقد دخلت التكنولوجيا في الحياة، وطرقت الكثير من الأبواب للدرجة التي لم تستطع دول عديدة العيش دونها، لأنها تحولت إلى نمط من أنماط السلوك العادي، الذي قد يبدو غريبا على بعض الدول العربية، لأنه لامس جميع مناحي الحياة بصورة خيالية، وما لم تتم مسايرة هذا الفضاء خلال الفترة المقبلة والتجاوب معه وتجاوز عقباته، ستكون هناك صعوبات للتأقلم مع العالم الحديث.

يبقى هل يمكن تعميم التفاؤل بكل ما يرتبط بالتكنولوجيا على نطاق أوسع، مع إعلان بعض الدول الأوروبية الوصول لصيغ رقمية يصعب على بعض العقول استيعابها، وآخرها تجربة سويدية شغلت الرأي العام العالمي مؤخرا؟، حيث بدأت التجربة السويدية التي تدعمها الحكومة بطرح استبيان جرى تعميمه على شوارع ستوكهولم لسؤال المواطنين عن معاناتهم مع بعض سبل الحياة اليومية الاعتيادية، وجاء من تلك الأسئلة:

هل تعاني من تضخم جيوبك بسبب حمل محفظتك بما تحويه من أشياء كثيرة؟ هل تفشل في الاحتفاظ بمفاتيحك التي تضيع منك لسبب ما؟ هل تضطر لاصطحاب مختلف كروت الائتمان الخاصة بك في كل مكان تذهب إليه؟ ثم تابع مقدّمو الاستطلاع بالتأكيد على وجود حل ذكي لكل هذا في السويد، وقادت التطلعات التكنولوجية إلى إيجاد بديل فريد.

قرر أكثر من 3500 مواطن، والعدد ما زال في تزايد مستمر، زرع شرائح إلكترونية في أجسادهم لتتحكم في العديد من الأشياء. ومن خلال زرع شريحة مثل تلك يمكن للشخص أن يتوقف عن حمل مفاتيح منزله أو عمله، ويقلع عن اصطحاب مختلف كروت الائتمان الخاصة به، بالتالي يتنصل من عبء ثقيل كان يحمله في جيبه طوال اليوم.

 

الإمارات حققت عبر احتضان أحدث الوسائل طفرات كبيرة في توظيف التكنولوجيا الرقمية لخدمة البشر

 

تقوم الشريحة التي تُزرع في اليد مثل المفاتيح الرقمية، بإرسال المعلومات عن بعد (يصل هذا البعد إلى 4 سم) من الشريحة إلى المستقبِل، شريطة أن تكون الشريحة المزروعة على المسافة التي ذكرنا من صاحبها.

تعتمد الشريحة على تقنية التواصل قريب المدى “إن.أف.سي”، وهي عبارة عن تقنية اتصال لاسلكية تعمل بتردد 13.56 ميغاهرتز، وتستطيع نقل البيانات بسرعة قصوى لا تتجاوز 474 كيلوبايت بالثانية. ونظرا إلى المدى القريب الذي تعمل من خلاله تلك التقنية فإن استخدامها مع هذه الشرائح كان هو الحل الأمثل، وهي آمنة لدرجة بعيدة ولا يمكن اختراقها لاسلكيا عن بعد.

عبر زراعة الشريحة في اليد يمكن فتح الأبواب وغلقها، كما يمكن إتمام جميع المعاملات المالية التي تعتمد فيها على كروت الائتمان. وكلما تقدمت تلك التكنولوجيا، تكون الشريحة قادرة على المساهمة في إنجاز المزيد والمزيد من المهام، وهو ما يعني المزيد من التغيّرات والطقوس المجتمعية.

لا تعدّ هذه التكنولوجيا جديدة، لكنها للمرة الأول يتم تعميمها على نطاق واسع بدعم حكومي، فمنذ عام 2015 كان هناك من يستخدمون تلك الشرائح في السويد، وهؤلاء هم مجموعة من المواطنين يُعرفون بميلهم إلى الاعتماد على التكنولوجيا حتى في أجسادهم، وأطلق عليهم اسم “بايوهاكرز” وحتى قبل هذا العام كان هناك أناس يستخدمون شرائح مماثلة من خلال زرعها في حيواناتهم الأليفة، مثل الكلاب والقطط ليستطيعوا تتبعها في حال تاهت عنهم.

المثير أن مستخدمي تلك التكنولوجيا اليوم أصبحوا من الناس العاديين الذين نراهم في الحياة اليومية. والسويد على وجه التحديد دولة انتشرت فيها تلك التكنولوجيا، وأصبح مواطنوها من القادرين على شراء تذاكر القطارات من خلال استخدام تلك الشرائح.

يرحب السويديون بزرع الشرائح في أيديهم، ويفسر البعض تلك الأحجية قائلين إن “السويديين السذّج يثقون كالأطفال في حكومتهم، ولا يمانعون مشاركتها معلوماتهم الشخصية بسبب طريقة هيكلة نظام الضمان الاجتماعي هناك التي يجدونها آمنة”. إلا أن تلك الإجابة وإن كانت تمثّل جزءاً من الحقيقة فهي لا تفسر الأسباب الكاملة للظاهرة التي يتسارع التفاعل معها كل يوم، وقد تصبح قريبا نمطا أصيلا من أنماط الحياة.

الأمر الواضح أن الشعب السويدي يثق بعمق في كل ما هو رقمي وكل ما تدخل فيه التقنية الحديثة، ويستبشرون خيراً في إمكانيات التكنولوجيا وقدرتها الكبيرة على تغيير حياتهم بصورة إيجابية، وما يمكن أن تأتي به للبشرية من إسهامات.

ورغم أن الاحتفاء بالتطور التكنولوجي أمر يتشارك فيه كل البشر تقريباً، فمن الواضح أن السويد تأخذ الأمر إلى حد أبعد بعض الشيء، وبجدية متناهية، ربما بسبب الاعتياد على الرفاهية الزائدة، وربما إمعانا في تجربة كل ما هو جديد، وربما لتسهيل المعيشة، وربما لكل هذه الأسباب.

 

الشعب السويدي يثق في كل ما هو رقمي وكل ما تدخل فيه التقنية الحديثة، ويستبشر خيراً في إمكانيات التكنولوجيا وقدرتها الكبيرة على تغيير الحياة بصورة إيجابية

 

استثمرت الحكومة السويدية، في العقدين الماضيين، بقوة في البنية التحتية للتكنولوجيا بمختلف مجالاتها، وهو ما يؤتي ثماره الآن، فالاقتصاد السويدي يعتمد إلى حد كبير على تصدير المنتجات الرقمية والخدمات الرقمية والابتكارات الرقمية التكنولوجية. وهو ما أتقنته السويد بشدة بل وتفوّقت فيه على مختلف دول العالم.

ورغم تعدد المزايا التي قد يثمر عنها الدفع في مجالات التكنولوجيا الحديثة والإيمان بها فإن الأمر لا يخلو من السلبيات. مع وجود تلك الشرائح بداخل الأشخاص فإنهم في حقيقة الأمر سوف يقعون لا محالة تحت أعين الشركات الكبرى التي تقدّم هذه الخدمة، لأن وجودها (الشرائح) ييسّر على تلك الشركات عملية مراقبتهم.

تخيّل أن أحدهم باستطاعته أن يتعقّب حركتك بشكل دائم، ويعرف أدق تفاصيل يومك وعاداتك الشخصية، أين تذهب بشكل عام؟ ومتى تتناول طعامك؟ وكم تستغرق من الوقت في تناوله؟ بل وعدد المرات التي تقرر فيها الذهاب إلى المرحاض يومياً. هكذا سيجري الأمر آجلاً أم عاجلاً مع تلك الشركات.

لا شك أن البشر يعانون اليوم من ذلك النوع من المراقبة بشكل أخف، لأن استخدامهم للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وكروت الائتمان يشغل مساحة كبيرة من حياتهم، كما أن جميعها أشياء يمكن تتبعها ومراقبتها. إلا أن الوقوع في المراقبة هنا ليس إجبارياً، فالبقاء غير متصل بالإنترنت أو بعيداً عن الكروت الذكية الخاصة بك يمكّنك من تجنّب تلك المراقبة. أما الشريحة المزروعة تحت جلدك فلن تمكّنك أبداً من الفرار بأيّ شكل من الأشكال.

تسفر هذه المراقبة عن تجميع تلك الشركات الكبرى لبيانات عن عملائهم دون علم أو موافقة منهم. الأكثر من ذلك أن تلك الشركات تخرق القانون في بعض الأحيان وتقوم ببيع بيانات ومعلومات عملائها مقابل المال لجهات قد تستفيد من تلك البيانات.

وهو ما ثبت حدوثه في الأشهر القليلة الماضية مع موقع التواصل الاجتماعي الأشهر فيسبوك، عندما قيل إن هناك من يستخدمون المعلومات الشخصية عن المستخدمين وتوظيفها كما يحلو لهم، وهي عملية خطيرة تكشف الجانب السلبي لكثافة تعامل البشر مع التكنولوجيا الحديثة، وإسرافهم في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي.

ويحذّر الخبراء من تحوّل أهم مميزات الشريحة الرقمية إلى عيب قاتل. ويرى هؤلاء أن وضع الأموال والممتلكات في شريحة واحدة يظن البعض أنها تقلل من معدلات الجريمة والسرقات، إلا أن الدراسات الحديثة التي صدرت بعد التوسع في استخدام كروت الائتمان عالميا كشفت أن معدل الجريمة لم ينخفض، بل على النقيض ارتفعت جرائم القتل، بعد أن بات المجرم غاضبا إلى حد كبير نتيجة عجزه عن الحصول على الأموال مع تعرف الضحية على هويته، وهنا يصبح تخلص المجرم من ضحيته رغبة قوية.

في واقع الأمر، لا تقتصر مشكلات التكنولوجيا على مسألة المراقبة وتجميع البيانات، بل إن هناك عدداً من المشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية الأخرى الناجمة عن هذا التطور.

وليس لعاقل أن ينكر الفوائد التي لا حصر لها في جميع المجالات، وجاءت مصاحبة للتقدم العلمي والتكنولوجي، ولكن في النهاية تبقى مخاطر المضي في عالم التطور التكنولوجي بلا حدود مسألة تحتاج للتريث وأحيانا للانسحاب، حفاظا على خصوصيتنا البشرية، فمهما كان التطور كبيرا وعميقا ومفيدا، فإن تداعياته على الحياة قد تكون في منتهى الخطورة، ما لم يأخذ البشر حذرهم جيدا، وتتبع الوسائل التي تحافظ على المساحة الباقية من الخصوصية.

 

آخر الأخبار

النجمة الباراغوانية لوانا ألونسو تعتزل السباحة بعمر العشرين بعد خسارة أولمبياد باريس 2024

النجمة الباراغوانية لوانا ألونسو تعتزل السباحة بعمر العشرين بعد خسارة أولمبياد باريس 2024

نجم منتخب بوروندي بيمنيمانا في طريقه إلى الملعب التونسي: صفقة القرن تقترب من الإتمام!

نجم منتخب بوروندي بيمنيمانا في طريقه إلى الملعب التونسي: صفقة القرن تقترب من الإتمام!

تأجيل رحلات شركة الخطوط الجوية اللبنانية بسبب التوترات الإقليمية

تأجيل رحلات شركة الخطوط الجوية اللبنانية بسبب التوترات الإقليمية

فرنسا تهدر 1.4 مليار يورو لتنظيف نهر السين دون جدوى: مسابقات الترياثلون الأولمبية تُلغى بسبب التلوث

فرنسا تهدر 1.4 مليار يورو لتنظيف نهر السين دون جدوى: مسابقات الترياثلون الأولمبية تُلغى بسبب التلوث

لطيفة العرفاوي تشعل مهرجان طبرقة الدولي بسهرة تاريخية وتعد بالمزيد في صفاقس!

لطيفة العرفاوي تشعل مهرجان طبرقة الدولي بسهرة تاريخية وتعد بالمزيد في صفاقس!

Please publish modules in offcanvas position.