الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يلتقي الرئيس التونسي قيس سعيد في زيارة قام خلال بمناقشة الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وخاصة الأوضاع في ليبيا وصفقة القرن.
تأتي الزيارة الأولى من نوعها للرئيس التونسي قيس سعيد إلى الجزائر لتؤكد التزامه بوعده السابق بأن أولى محطاته الخارجية ستكون الجارة الغربية، إضافة إلى أنها تجسد عمق العلاقات بين البلدين والذي ترجمه الرئيس عبدالمجيد تبون بالإعلان عن دعم مالي لتونس. وأكد الرئيسان تقارب مواقفهما بشأن النزاع في ليبيا وصفقة القرن.
الجزائر- تهدف زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى الجزائر، الأحد، وهي الأولى من نوعها منذ فوز سعيّد بالانتخابات، إلى ضخ دماء جديدة في علاقات البلدين، لكنّ المتابعين لا يراهنون كثيرا على الزيارة رغم أنها حرّكت المياه الدبلوماسية الراكدة في المنطقة.
وتأتي الزيارة في ظل الظروف الاستثنائية التي عاشتها الجزائر بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة والاستحقاقات السياسية التي عرفتها تونس خلال الأشهر الأخيرة.
وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأحد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التونسي، إن الجزائر ستضع وديعة قيمتها 150 مليون دولار في البنك المركزي التونسي.
وأكد “في ظل الصعوبات الاقتصادية قررنا أن نضع في البنك المركزي التونسي وديعة بمبلغ 150 مليون دولار. اتفقنا على تسهيل دفع تونس فاتورة الغاز والمحروقات طالما تونس تواجه مصاعب في الدفع”.
وتواجه تونس عبء دين عام ضخم في حين أن جارتها الجزائر، وهي مصدر رئيسي للطاقة، تحاول خفض العجز الحكومي لديها بعد تراجع إيرادات النفط والغاز بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وتضمّنت الزيارة التشاور حول الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الأوضاع في ليبيا وارتدادات الإعلان عن صفقة القرن.
ورغم قوة الخطاب السياسي والدبلوماسي المتداول حول علاقات قوية بين البلدين الجارين، إلا أن المعطيات على أرض الواقع توحي بعكس ذلك تماما، ويعكس حجم التفكك المغاربي خاصة خلال السنوات الأخيرة، فالعلاقات الطيبة التي يروّج لها المسؤولون في تونس والجزائر، لا تترجم إلا في حدود 1.7 مليار دولار من المبادلات فقط.
وكسرت زيارة قيس سعيّد للجزائر الجمود الدبلوماسي في المنطقة رغم الأوضاع الخطيرة التي تمرّ بها، بسبب الأوضاع المضطربة في ليبيا والتهديدات الأمنية والإرهابية على الحدود الجنوبية، فضلا عن تحرّك بعض فلول الجماعات الجهادية على الشريط الحدودي الرابط بين البلدين.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية بأنه “بدعوة من رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، يقوم سيادة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد، بزيارة دولة للجزائر الأحد”، لكنه لم يحدد مدتها.
وأضاف “خلال هذه الزيارة، سيجري الرئيسان محادثات حول وسائل وسبل تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين، كما سيتطرقان إلى الوضع الدولي والإقليمي، وخاصة في ليبيا وفلسطين المحتلة”.
وعزا الرئيس التونسي تأخير زيارته للجزائر إلى انتظار نهاية المسار الانتخابي في هذا البلد الجار، كما أوضح في أول لقاء تلفزيوني له مساء الخميس. وقال “كان هناك انتخابات في الجزائر ثم جاءت مسألة تشكيل الحكومة في تونس منذ 15 نوفمبر إلى الآن”.
وتزامنت الزيارة مع قرب الاحتفالات المشتركة التي دأب البلدان على إحيائها سنويا في منطقة ساقية سيدي يوسف لإحياء ذكرى قصف فرنسي آنذاك أسفر عن ضحايا من البلدين.
وتتقارب مواقف البلدين، في ما يتعلق بالملف الليبي، حيث يرفض كلاهما التدخل العسكري الأجنبي، ويدعوان إلى حوار سياسي بين أطراف الصراع للوصول إلى حلّ بعيدا عن الأجندات وأطماع القوى الإقليمية.
تونس والجزائر تريدان أن يكون الحل في ليبيا بلقاءات في تونس أو الجزائر لبدء مرحلة جديدة في البلد الجار
وقال تبون “هناك تطابق تام في المواقف بين تونس والجزائر بخصوص ليبيا.. تونس والجزائر تريدان أن يكون الحل بلقاءات في تونس أو الجزائر لبدء مرحلة جديدة في ليبيا ببناء مؤسسات جديدة وإجراء انتخابات”.
ولم تُشر التقارير المحلية المهتمة بزيارة الرئيس سعيّد إلى أيّ مشاورات حول وضع الاتحاد المغاربي المعطل منذ سنوات، رغم وجود مساع محتشمة إلى ضخ دماء جديدة في الهيئة، لاسيما في ظل الأوضاع الحساسة التي تعيشها المنطقة، وتصاعد دعوات إلى تسوية الخلافات القائمة بين حكوماتها.
ولا زال حجم المبادلات التجارية الجزائرية التونسية بعيدا عن سقف التطلعات والخطاب المتداول في العاصمتين، حيث لا يتعدّى -وفق تقرير محلي- حدود “1.7 مليار دولار منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية لتونس أغلبها من المحروقات ومشتقاتها، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر، عبارة عن تجهيزات الكهرباء ومواد ميكانيكية من السفارة التونسية بالجزائر”.
وكان البلدان قد وقّعا في 2008 اتفاقا تجاريا تفاضليا، لم يدخل حيّز التنفيذ إلا في 2014، “بغرض توسيع الاستثمارات بين الطرفين حيث يبلغ عدد المتعاملين الاقتصاديين التونسيين في الجزائر 600 شركة أغلبها شركات صغيرة ومتوسطة، في حين تنشط في السوق التونسية 60 شركة جزائرية معظمها تشتغل في قطاع النسيج والجلود”.
ويبقى التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري بين تونس والجزائر من أبرز الملفات التي عرفت حركية لافتة خلال السنوات الأخيرة، في إطار اتفاق بين البلدين حول الحرب على الإرهاب وملاحقة الجماعات الجهادية التي تتحرك في الشريط الحدودي، وهو ما أفضى إلى إسقاط وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية.
وما زالت تونس تمثّل الوجهة السياحية الأولى للجزائريين، حيث يتردّد نحو مليوني جزائري على تونس في الصيف، كما شكّل ذلك مصدرا أساسيا للسياحة التونسية، أثناء تراجع الزوّار الغربيين تحت تأثير الضربات الإرهابية التي استهدفت تونس خلال الأعوام الماضية.
صابر بليدي
صحافي جزائري