الدعوة لعقد قمة عربية لإنقاذ تونس يجب أن تنطلق الآن، وأن تحتشد لأجلها كل الإمكانيات من أجل إخراج تونس من الواقع المرير الذي انتهت إليه بعد 11 سنة من التغيير.
لا يصح أن يخوض الرئيس قيس سعيد الصراع من أجل إنقاذ تونس من براثن الإسلام السياسي ومؤامراته وتخريبه بمفرده.
لا يصح أيضا أن تقف تونس في محنتها الاقتصادية والصحية وكأنها من دون سند.
الدعوة لعقد قمة عربية لإنقاذ تونس يجب أن تنطلق الآن، وأن تحتشد لأجلها كل الإمكانيات من أجل إخراج تونس من الواقع المرير الذي انتهت إليه بعد 11 سنة من التغيير.
تونس اليوم، هي رمز التضامن العربي. وشعبها لا يجب أن يبقى يعاني من سلسلة لا تنتهي من الأزمات، من دون أن يرى في الأخوّة أخوّة.
ولعمري أنها سوف ترد الدين، إذا كان يتوجب أن يكون هناك دين. رأسها سيظل مرفوعا على الدوام. تلك هي طبيعتها. ولو أنها بقيت وحيدة فإنها ستفعل الشيء نفسه، وتظل هي ذاتها حيال كل بلد عربي آخر وكل قضية عربية أخرى، ولن تتخلى عن واجب، ولا عن التزام يفرضه انتماؤها القومي.
لم تكن تونس لتكون بحاجة إلى العون، مثلما هي اليوم. ولن يكون عونها رمزا للأصالة وشرف الانتماء العربي والإسلامي مثلما هو اليوم.
كل وقت آخر كان من زائد الحاجة، إلا اليوم.
التفاصيل التي تشغل دولنا العربية كثيرة. ولكن هل هناك أقدس من إقالة بلد بمكانة تونس من عثرته؟ هل هناك شيء أنبل؟
التونسيون يفقّرون من دون وجه حق قد تفرضه عليهم الخصائص. إنهم شعب عامل، وخدوم ومخلص مع نفسه إخلاصه مع غيره.
وبلدهم غني بطبيعته، وما كان يجب أن ينحدر إلى هاوية لو أنه عثر على إدارة رشيدة. وهو يمتلك من الموارد الطبيعية والبشرية ما يمكنها أن توفر له مخرجا كريما من أزماته. ولكن كما يحدث في كل أسرة يهزمها بعض أبنائها، فقد هزمها أصحاب الأجندات الخارجية، وجعلوها تترنح من سكرة الضربات المتتالية، والحكومات المتتالية التي سلكت طريق الفشل.
وهذا وضع لا يمكن أن يستمر. وتونس إنما تضع أرجلها في قاع الأزمة، وتنتظر من يمد لها يد العون لتعلو وتقف على قدميها من جديد.
وما من أحد لا يتعثر. وما من أحد لا يمر بأزمة. وما من أحد لا يخنقه الفقر أو الفشل. وما من شيء يدوم. وطلب العون لا يُعيب. إنه من كرم النفس على النفس أن تبحث عن سبيل.
لقد أنجدنا مصر من قبل، وكان من مجد الكرم أنه عثر على مجده في موقف تاريخي ونبيل وقفته السعودية والإمارات لإنقاذ بلد كريم؛ بلد عزيز؛ وها هو اليوم يُعين غيره، ويغدق. وها هو اليوم يبني ويعمّر ورأسه شامخ بحمد الله وشكره على نعمته. وهو بكرم خلقه وطبيعته مدين لكرم خلق من أنقذوه وطبيعتهم. وها هي الدائرة تدور خلقة وطبيعة في كل منعطف وعند كل مفترق جسيم.
وتونس تستحق. إنها أصل من أصول التاريخ والثقافة في مجتمع العرب. فتحها عقبة بن نافع في عهد الخليفة عثمان بن عثمان (رض). وأرضها ما تزال تتغنى بما تكبّر في مآذن الزيتونة ومدارسها.
وذات يوم جُمع أهلها ليسألوا عما صنعوه من ثراء. فرفع شيخ من أهلها حفنة زيتون. قائلا: من هنا. وتلك الـ”هنا” ما تزال على أرضها هناك.
ولأنها كذلك، فلسوف يُعيبنا نحن، أن تضام.
أن لا تجد دواء يكفي ولا مالا لتشغيل مشاريعها وأعمالها، قد لا يتطلب الكثير لردم الهوة بين ما تحتاجه وما يتوفر لها. إلا أن ضيمها هو ضيم الواقفين على عتبة التردد قبل أن يسارعوا إلى مد يد العون. وهم إذا سارعوا، فإنما يسارعون لأنفسهم، ولمكانتهم في قلب شعب، هو بطبعه، عطوف وكريم.
تونس ليست كلبنان. لم تعد كذلك الآن. لا حزبا مأجورا يتحكم بقرارها ومصائر شعبها. ولا تستملكها أجندات خارجية تخدم التفتت والتمزيق.
والعرب لم ينكثوا العهد مع لبنان، حتى وهو غارق في جنهم التي وعدهم بها حلفاء الشر. وهم ينتظرون إرادته لكي ينجدوه.
تونس هي لبنان الضفة الأخرى من المتوسط. صنعتها بهجة الانفتاح على العالم، مثلما صنعت لبنان روحها التي تتوزع في أربع أركان الأرض. ذهب جبران خليل جبران وإيليا أبوماضي وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني، إلى أقصى بقاع الأرض وظلوا في لبنان لكي ينشدوه.
تونس استقت روحها من بعض لبنان ومن بعض فرنسا ومن بعض روح التغيير والتجديد الأوروبية لتعثر على وصفة أخرى للوجود.
ليست تونس بلدا عابرا في الجغرافيا. أنها قبضة تلك الروح على ضفة المتوسط الجنوبية. ولا هي بلد من فائض بلدان العالم الكثيرة. إنها أيقونة حب وحياة. ومثلما لا يليق بها أن ترتدي نظارات أيديولوجية لحساب أحد، فإنها لا يليق بها الفشل.
وتونس لا يملكها أحد. وهي إذ تشقى ببعض أبنائها اليوم، فإنها لن تسقط قتيلة في حضن مشروع مضاد لمعناها.
وإذ يقف العرب لتونس، فإنما يقفون لسعة الروح في أنفسهم، ولسوف يرون منها كل ما يستحقون من حبها وعطفها وكرم أهلها.
تونس لا تضام. ولن يخذلها الأقربون.
علي الصراف
كاتب عراقي