وفق تقرير أممي، فإن الجوع في العالم العربي ارتفع بنسبة 90% في غضون 20 عاما، كما أن هناك 141 مليونا يعانون من انعدام الغذاء المعتدل أو الشديد ويمثلون تقريبا ثلث سكان المنطقة العربية.
ولا تزال هذه الأرقام في تزايد مستمر -وفق التقرير نفسه- حيث تعاني معظم الدول العربية من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بفعل تداعيات جائحة كورونا والصراع الدائر في أوكرانيا.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الدول العربية تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها من المواد الغذائية، ويعتمد العديد منها على واردات الحبوب والزيوت من روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي يجعل فاتورة الاستيراد باهظة وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مما يزيد العبء على كاهل الدول العربية.
واللافت للنظر أن البلدان العربية تعيش هذا الواقع الصعب رغم أن مساحة أراضيها الصالحة للزراعة تقدر بنحو 220 مليون هكتار، يتم استغلال ثلثها فقط، بحسب فيلم وثائقي بثه برنامج "للقصة بقية" (2023/3/27)، الذي سلط الضوء على قضية الأمن الغذائي العربي.
ووفقا للوثائقي، فإن العالم العربي يواجه تحديا كبيرا يتمثل في تأمين الغذاء لشعوب المنطقة في ظل نقص سلاسل إمدادات الغذاء عالميا، إذ يستورد العالم العربي نحو 60% من احتياجاته من الحبوب من موسكو وكييف. ومع أنه يستحوذ على نحو 25% من إنتاج الحبوب العالمي، فإنه لا ينتج إلا 2.5%. وتستورد الدول العربية 55% من احتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية بفاتورة بلغت نحو 61 مليار دولار عام 2020.
وأوضح الفيلم أن المساحة المقدرة للزراعة في العالم العربي لا تتجاوز نسبة 30.5%، والتي تعادل المساحة الكلية لدول تصنف معظمها ضمن أكبر 15 بلدا مصدرا للقمح في العالم مثل أوكرانيا ورومانيا. كما أن متوسط الإنتاج الزراعي العربي يمثل نحو 4% فقط من الإنتاج العالمي.
وتنذر التغيرات المناخية في العالم بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتعرض لتغيرات كبرى في معدلات هطول الأمطار، ومما أدى إلى ندرة الموارد المائية المتاحة، وهذا الأمر يترك أثرا على القطاع الزراعي وإنتاج الغذاء، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" (FAO) .
مشاكل مزمنة
وبحسب تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية لعام 2020، فإن تحقيق الأمن الغذائي بصورة مستدامة في العالم العربي يواجه العديد من المشاكل المزمنة، من أبرزها توسيع القدرات الإنتاجية في ظل نظم الري القديمة، بالإضافة إلى احتياج كبير لدعم وتشجيع الزراعة والتصنيع الغذائي، مما يثير الكثير من التساؤلات حول سبل معالجة أزمة الغذاء العربية وإرساء نظم غذائية زراعية دائمة تدفع الدول العربية إلى التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
وفي هذا السياق، اعتبر فاضل الزعبي، خبير الأمن الغذائي بمركز جنيف للدراسات والممثل السابق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، أن الجهود العربية الحالية رغم الاهتمام المتزايد من قبل المسؤولين عن الزراعة لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وتنحصر في خانة جهود مبعثرة غير كافية.
وفي تحليل أكثر شمولية، رأى رئيس مؤسسة الاستثمارات في لبنان وخبير الاقتصاد الدولي مازن سويد أن التضخم الهائل في العالم، وانهيار المصارف في أميركا، وكذلك جائحة كورونا، وحرب روسيا على أوكرانيا، كل ذلك تسبب في اضطرابات في سلسلة العرض، مما أدى إلى ارتفاع مضطرد في أسعار المواد الغذائية، مشددا على أن موضوع الأمن الغذائي لا يمكن علاجه إلا عبر مقاربة الاقتصاد الكلي.
نماذج عربية
وعرض الوثائقي، الذي بثه "للقصة بقية"، بعضا من نماذج الدول العربية، إذ تقدر المساحة الصالحة للزراعة في السودان بنحو 84 مليون هكتار يتم استغلال 20% منها فقط، كما يمتلك السودان ثروة مائية لا تتوفر في أي بلد عربي آخر، إذ لديه 10 أنهار تتنوع بين التدفق الموسمي والدائم، بالإضافة لمعدل أمطار سنوي يزيد على 400 مليار متر مكعب.
ووضعت تلك الموارد السودان في مرتبة سلة الغذاء العربي، لكن رغم هذه الإمكانيات فإن الواقع الفعلي يشير لوجود أكثر من 9.8 ملايين سوداني يعانون من الجوع الحاد، وفقا لمنظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة.
وحسب منظمة الفاو، فإن القطاع الزراعي في لبنان يتمتع بإمكانات جيدة وأراضي زراعية متنوعة، لكنه رغم ذلك يعاني من العديد من العوائق أيضا، أبرزها العمالة غير النظامية، وعدم تنظيم ملكية الأراضي، وصعوبة حصول المزارعين على الدعم والتمويل، وفقا لمعهد كارينيجي للشرق الأوسط.
وثمة مبادرة تعتبر الأولى من نوعها بسهل البقاع في لبنان تأسست عبر الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب عام 2019 تحت مسمى القرية الزراعية، والتي أمنت الكثير من فرص العمل لشرائح واسعة بالمنطقة. يعمل المشروع على تعزيز التوجه الإنمائي للزراعة بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" (UNICEF)، ويتضمن الإرشاد والتدريب الزراعي ونماذج زراعية للكثير من الخضار والفاكهة، بالإضافة إلى تسويق الإنتاج.
أما في تونس فتعتبر الزراعة إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، إذ تسهم بنحو 11.2% من الناتج المحلي الداخلي، بالإضافة إلى أنها تشكل 13% من الصادرات، وتستقطب نحو 7% من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، وتوفر ما نسبته 18% من فرص العمل. وتبرهن هذه الأرقام على أهمية قطاع الزراعة في تونس. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدعم الذي تقدمه الحكومة للزراعة متواضع بالمقارنة مع قطاعات أخرى كالسياحة والصناعة.