عقب كل عملية إرهابية كالتي حدثت أخيرا في مطعم رينا في إسطنبول فجر أول يوم في السنة الميلادية الجديدة 2017، يسود في وسائل الإعلام، وعلى أفواه المحللين لتلك الوقائع مصطلح (الذئاب المنفردة)، فمثل غيرها من الظواهر الاجتماعية- السياسية أفرزت ظاهرة انتشار الإرهاب المتوحش المنفرد التي أصبحت تشكل تحديا جديا أمام العالم، مصطلحها الخاص.
منشأ هذا المصطلح هو كواليس الاستخبارات قبل أن يجد سبيله إلى وسائل الإعلام. وكان يقصد به الأفراد الذين ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي، وغالبا ما يكونون أشخاصا عاديين لا يثيرون ريبة في حركاتهم وسلوكياتهم مثل اليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج حين قتل سنة 2011 العشرات احتجاجا على سياسة بلاده في مسألة هجرة الأجانب إليها. وليس كل شخص يقوم بجريمة ضد مجموعة من المدنيين يسمى ذئبا منفردا، ما لم يكن منتميا وجدانيا على الأقل إلى جماعة عقائدية، أو سياسية.
لكن المصطلح تطورت دلالاته في وسائل الإعلام أخيرا، وبات يأخذ شكلًا أكثر تحديدًا مع استشراء إرهاب الجماعات الجهادية الإسلامية وعملياتها المتكررة ويرتبط بشكل وثيق بها وتكاد تلك الجماعات حاليا تحتكر صفته، وأضحت الذئاب المنفردة مجرد تطور أو تشظٍ لجسد أبرز جماعتين إرهابيتين على وجه الأرض حاليا؛ داعش، والقاعدة، فتعرف الذئاب المنفردة على أنهم الأشخاص الذين ينتمون شعوريٍا وعقديًا إلى عقيدة التنظيم الإرهابي الأم (داعش أو القاعدة)، غير أنهم لا يعيشون في مناطق نفوذه مثل مدينتي الرقة، والموصل، أو جبال وزيرستان في الحدود الأفغانية الباكستانية. وهؤلاء (الذئاب) يقومون بجرائمهم أحيانا حتى دون أن يتصلوا بكيان الإرهاب بشكل مباشر، ودون وجود بنية تنظيمية توجه الفاعل وتخطط له، كما أنهم غير مكلفين بشكل مباشر بالمهمة من قبل القيادة بأي طريقة محددة، إذ أن هذه التنظيمات العقدية الأيديولوجية وبالأخص (الدواعش)، وفي سابقة تسجل لهم في إشاعة عنف عدمي غير مسبوق، تبث أهدافها في رسالة عامة وهي قتل المخالف وتطبيق عقوبات ماضوية مستجلبة من تاريخ القرون الوسطى في حقه؛ من ذبح، وسبي، واسترقاق أو حرق.
لكن، هل كلمة ذئب هي الأنسب لاستخدامها لوصف هؤلاء المجرمين؟
المصطلح في حد ذاته يحمل في دلالته شيئا من الثناء والمدح والعزة، فللذئب في المخيلة الشعبية في العالم أجمع صورة أقرب للفروسية والشجاعة والعفة عن الغدر وأكل الجيف.
مما يجعل الصفة هنا في تناقض مع سلوكيات الدواعش الأقرب إلى الغدر، واستهداف الآمنين، والجبن عن المواجهة إلا بالتترس خلف المدنيين، فقد نقلت وسائل الإعلام الكثير منهم ممن حين ضاق عليهم الخناق لم يتورعوا عن حلق لحاهم والتخفي في لبس النساء، لذا فمن التنافر الصاق اسم الذئاب البرية النبيلة بأعمال أوغاد التنظيمات الإرهابية.
حبذا لو استبدل هذا المصطلح بمصطلح آخر منتشر لدى العصابات الأمريكية العتيدة تصف فيه الشخص الغادر المتسلل والواشي بصفة جرذ (Rat ) أظنه الاسم الأكثر ملاءمة لسلوكيات هؤلاء المنفردين بالوضاعة المتوحشة، فهم يتسللون إلى أهدافهم كالفئران.