الشاهد يخترق الأحزاب
أكّد الصحبي بن فرج النائب والقيادي المستقيل من كتلة الحرة لحركة مشروع تونس أن مرد استقالته رفقة خمسة نواب آخرين من حزب حركة مشروع تونس عدة عوامل تراكمت منذ مرحلة التأسيس ومن أهمها كيفية تعامل قيادة الحزب مع الملفات السياسية الحارقة.
وشدّد على أنه قرر الاستقالة بصفة نهائية من حركة مشروع تونس على خلفية عدم وضوح علاقة الحزب بكتلة الحرة خاصة بشأن التصويت على منح الثقة لوزير الداخلية الجديد الذي “لم تكن فيه مواقف الحزب والكتلة متناسقة”.
وحول ما يتّهم به من اصطفاف وراء رئيس الحكومة يوسف الشاهد، قال بن فرج “ما العيب في الاصطفاف وراء رئيس الحكومة إن وجد أصلا؟”.
وأكّد أنه -على عكس البعض- كان منذ أكثر من سنة ونصف السنة، حين كانت الحكومة الحالية آيلة إلى السقوط، من المدافعين عنها وعن برامجها وخاصة في علاقة بإعلان رئيسها منذ عام 2016 الحرب على الفساد.
ويتّهم رئيس الحكومة في الآونة الأخيرة بدخول بيت طاعة حركة النهضة الإسلامية لمجابهة خصمه حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس المتشبث بإقالة الحكومة، علاوة على اتهامات أخرى من قبيل مساعيه لتأسيس حزب عبر تمكّنه من اختراق جل الكتل البرلمانية الحزبية التي ضمنت له إلى حدود اليوم مواصلة قيادة البلاد.
ويرتكز أصحاب هذه التصوّرات على استقالة المهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان من منصبه وإعلانه بعد سويعات فقط من مغادرة القصبة نيته تأسيس حزب جديد يكون بديلا عن فشل الأحزاب الحاكمة وهو ما يراه البعض داخلا في مخططات رئيس الحكومة الحالي.
من جهة أخرى، يؤكّد الكثير من المتابعين لحيثيات وكواليس ما يحصل من حروب خفية أو معلنة بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس أن يوسف الشاهد تمكّن من ضمان منصبه عبر لعبه ورقة الحرب على الفساد التي تخيف وفق الملاحظين العديد من قيادات حزبي الحكم ولذلك تمكّن من حشد أصوات النواب خلال جلسة منح الثقة لوزير الداخلية الجديد.
ولا تنذر تكتيكات رئيس الحكومة إلا بالمزيد من تأزم الوضع السياسي، خاصّة أنه كان قد دفع حتى أكثر المنتقدين لسياساته من حزبه الأم نداء تونس أو من أحزاب أخرى كالاتحاد الوطني الحر أو حركة مشروع تونس ونداء تونس إلى منح الثقة لوزيره الجديد، إلا أنه تمسّك بتجاهل نهاية مهلة الأيام العشرة التي منحها له حزبه نداء تونس لعرض حكومته على البرلمان.
وكان رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال قد أعلن في ندوة صحافية عقدت يوم جلسة منح الثّقة لوزير الداخلية هشام الفراتي في 28 جويلية الماضي أن الكتلة تطالب بتغيير حكومي شامل وتدعو الشاهد إلى عرض حكومته على البرلمان.
ووفق تقديرات بعض المراقبين، فإن رئيس الحكومة تمكّن من التمرّد حتى على رئيس الجمهورية بعد أن نجح في اختراق جل الأحزاب تقريبا، إذ كان له دور كبير في انقسام أحزاب حركة مشروع تونس وآفاق تونس والحزب الجمهوري وآخرها حزب المسار الديمقراطي حين جمّد وزير الفلاحة سمير الطيب عضويته بالحزب الرافض لبقاء الحكومة الحالية على رأس السلطة. أمّا بخصوص حركة النهضة الإسلامية -أحد أهم أضلاع الحكم- فرغم إعلانها صراحة الوقوف إلى جانب يوسف الشاهد على حساب نداء تونس أو الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد)، فإن كل المؤشرات السياسية تدل على أن الحركة تواصل نهج نفس السياسة التي اتسمت بها منذ دخولها عالم السلطة عقب ثورة جانفي 2011، والرامية إلى تفكيك الأحزاب لتتحكم وحدها في نبض المشهد السياسي بالبلاد.
وعلى عكس ما يذهب إليه الكثيرون فإن دعم مقر مونبليزير (مقر حركة النهضة) -وفق بعض الملاحظين- ليوسف الشاهد ليس متأتيا من إيمانها بقدراته أو بكفاءته بل يدخل في خانة مساعيها المتواصلة لإفراغ الساحة السياسية من أي خصم محتمل بمواصلة الرهان على تأجيج الصراع بين الشاهد وحافظ قائد السبسي خصوصا أن ذلك يتزامن مع غياب شبه كليّ للمعارضة عن تطورات الساحة السياسية.
ونجحت الحركة الإسلامية في ربح العديد من النقاط في البارومتر السياسي، أولا لجعلها رئيس الجمهورية عاجزا -من الناحية الدستورية- عن إقالة يوسف الشاهد، وثانيا لنجاحها في استمالة بعض الوجوه والأسماء التي عرفت سابقا بعدائها لحركة النهضة من قبيل سمير الطيّب وزير الفلاحة والأمين العام لأقدم حزب شيوعي في تونس (حزب المسار الديمقراطي حاليا) والذي نوّه بمقدرة النهضة على النجاح والغوص في النسيج المجتمعي التونسي بقوله “النهضة هي الأقرب إلى المواطن عكس العائلة اليسارية التي يبعث وضعها على الاشمئزاز”.