المعارضة تائهة
في قلب الأزمة السياسية التي تعيش على وقعها البلاد منذ مطلع عام 2018 بدت أحزاب المعارضة -وتحديدا الأحزاب الراديكالية التي يقودها اليسار ممثلا في الجبهة الشعبية أو العائلة الديمقراطية الاجتماعية- عاجزة عن طرح بدائل عملية لإنقاذ البلاد من شللها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ومع رجوع بعض أسماء النظام القديم لتصدّر المشهد السياسي، بات بعض التونسيين يتحدثون عن قبر ثورة جانفي بلا رجعة في ظلّ التمتع بغنائمها في علاقة بالحريات فحسب التي لم يتبعها بالضرورة رفاه ونمو اقتصادي.
وقالت نزيهة رجيبة (الملقّبة بأم زياد) الناشطة السياسية والكاتبة الصحافية -وهي أحد أهم المعارضين لسياسات الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي- ” إن الاستعراض الفلكلوري الذي تقوم به مؤسستا رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة باختراق بعضهما البعض أو عبر التعنّت في ملف التعيينات والتعيينات المضادة لا يدلّ إلا على المزيد من مظاهر انتكاسة الثورة التونسية. وأكّدت أم زياد أن من يمكسون بمقاليد الحكم اليوم في تونس سواء تعلق الأمر بالائتلاف الحاكم -النهضة ونداء تونس- أو تعلق برأسي السلطة التنفيذية لا يمتوّن لثورة جانفي 2011 بأي صلة.
وتابعت نزيهة رجيبة حديثها قائلة “إن حزبي الائتلاف الحاكم -ومن ورائهما رئاستا الجمهورية والحكومة- تمكنا من تحويل ثنايا ومسارات الشعب الحقيقية إلى الحديث عن قطبين سياسيين فحسب؛ أي أنهما دخلا في مرحلة الاستقطاب الثنائي قبل الانتخابات بكثير بهدف إشعار التونسيين بأنه لا وجود لقوى في البلاد سوى النهضة الإسلامية أو نداء تونس”.
وأقرّت نزيهة رجيبة -التي فضّلت عدم الظهور الإعلامي منذ سنتين تقريبا- بأنّ أحزاب المعارضة وجدت نفسها عاجزة عن مقارعة حزبي الائتلاف الحاكم لإنقاذ البلاد من مرحلة الوهن التي أصابتها منذ تحالف الباجي قائد السبسي مع حركة النهضة في عام 2014.
وشدّدت على أن القوى الديمقراطية المعارضة لم تنجح بالقدر الكافي في اختراق النسيج المجتمعي التونسي الذي يمكنها حتما من لعب أدوار رئيسية في المشهد السياسي التونسي.
وأكّدت أن معضلة المعارضة التونسية -التي تعرضت وفق تقديرها لهجوم من بعض وسائل الإعلام- تكمن في أن أهم أطرافها تخندقت في مغازلة حركة النهضة الإسلامية كحزب المؤتمر من أجل الجمهورية أو حراك تونس الإرادة الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي أملا في وجود مساند رسمي في الانتخابات القادمة، أما الجبهة الشعبية (تجمع أحزاب يسارية وقومية) فما زالت مطاردة من لعنة دعم الباجي قائد السبسي والتحالف معه في عام 2014.
ورغم نظرتها السوداوية نوعا ما إلى ما آلت إليه أوضاع البلاد خاصّة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن نزيهة رجيبة قالت ” إنها ما زالت تؤمن بالثورة، نافية أن يكون قد تم قبرها، مؤكّدة أنها ما زالت تؤمن بالنفس النضالي الذي يحمله طيف واسع من الشباب التونسي المؤطّر في منظمات المجتمع المدني.
يشار إلى أن المعارضة التونسية تتهم هي أيضا -وعلى شاكلة الأحزاب الحاكمة في البلاد- بأنها لم تقدّم أي تصورات أو بدائل عملية تُذكر لتتماهى بالتالي في ممارستها للفعل السياسي مع الائتلاف الحاكم ببقائها طيلة ثماني سنوات تدور في حلقة “احتجاجية” مفرغة إما عبر ترويج نفس الشعارات المتكلّسة، وإما عبر الانخراط أيضا في نفس المنطق المرتكز على تخويف الشعب من مؤامرات تحاك ضدّه من قبل أطراف أجنبية وداخلية.
وسام حمدي / صحافي تونسي