اختر لغتك

انخراط الفنان في العمل السياسي.. قيمة مضافة أم مضاعة

انخراط الفنان في العمل السياسي.. قيمة مضافة أم مضاعة - السياسة من صميم دور الفنان

السياسة من صميم دور الفنان
 
تفرض طبيعة عمل الفنان-الفنانة ضرورة الاهتمام بما يدور داخل المجتمع، ومن المكونات الضرورية التفاعل مع قضاياه، ومن أهم المجالات التي تحمل وجعا وألما وحبا وعطاء المجال السياسي، الذي يعد في بعض المجتمعات بوصلة يمكن من خلالها قياس مدى انفتاح الحكومات وانغلاقها، فكلما زادت المساحة ارتفعت درجة الحريات، والعكس صحيح.
 
شهدت دول عربية كثيرة ازدهارا في العلاقة بين الفن والسياسة، وكان الأول معبرا بصورة قوية عما يعتمل في الثانية، وقدمت الدراما والسينما أنماطا مختلفة جديرة بالاحترام، تؤكد التأثير والتأثر، وهناك نجوم عالميون برعوا في الفضاء السياسي، بشكل يوازي براعتهم في التمثيل والغناء والرقص.
 
يمثل الفن أحد أهم الأدوات في عقل ووجدان السياسيين، لأنه الأداة التي يستطيع من خلالها توصيل صوته إلى شريحة كبيرة في المجتمع. كم من النجوم في بلد مثل مصر تحولوا إلى أصوات ناطقة بلسان أنظمة حاكمة؟ وكم عدد من ارتبطوا بفترات معينة وانزووا بعدها؟
 
بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا، وما إذا كان هؤلاء أبواق وكفى أم أصحاب مواقف سياسية. في الحالتين العلاقة بدت وثيقة، لأن السياسي بحاجة إلى الفنان، لكن المشكلة تكمن عندما يصبح الفنان صاحب رؤية مختلفة، ويتبنى رأيا معارضا أو مستقلا، فقد يحدث الصدام.
 
حفلت السينما المصرية بأعمال كانت بمثابة استشراف قوي للمستقبل. قدم المؤلف وحيد حامد والفنان عادل إمام سلسلة من الأعمال لا تزال خالدة، ففي فيلم مثل “طيور الظلام” الذي جرى عرضه قبل حوالي 25 عاما، لم يكن أحد يتخيل أن مصر سوف تصبح مثل كرة يتقاذفها الإخوان المسلمون وأنصار الحزب الوطني الحاكم آنذاك، وهو ما عكسته تجليات ثورة 25 يناير 2011، كذلك فيلما وحيد وإمام “الإرهابي” و”الإرهاب والكباب”، اللذان كانا صرختين مدويتين في وجه الجماعات المتطرفة.
 
لو لم يكن المخرج خالد يوسف مثقفا ومهموما بقضايا وطنه السياسية (عضو في البرلمان حاليا)، لما قدم للسينما المصرية أفلاما مثل “هي فوضي” و”دكان شحاتة”، رصدت العلاقات الخفية في قاع المجتمع، وتوازنات القوى داخله، وعبرت عن قطاع كبير من الصامتين.
 
تساهم البيئة الحافظة لدور الفن بدور مهم في توفير المناخ اللازم لتقديم أعمال رشيدة، وازدهرت هذه النوعية عندما كان هناك فنانون وفنانات في مصر لديهم وعي سياسي ومتفاعلون مع الأحداث والتطورات.
 
وجود الوعي الحقيقي جعل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ انطلاقه قبل حوالي 40 عاما يرفع شعار رفض التطبيع مع إسرائيل، ويصمم طوال هذه العقود على رفض مشاركة أعمال إسرائيلية أو تقبل حضور فنانين يتعاطفون مع قوات الاحتلال ويتخذون مواقف ضد القضية الفلسطينية، ولعل حالة الرفض العارمة حاليا لتكريم الفنان الفرنسي كلود ليلوش تؤكد الحفاظ على الثوابت الفنية، على الرغم من انهيار الكثير منها سياسيا.
 
ساعد الفهم السياسي الرصين لطبقة من الفنانين في رفض التوجهات الرسمية التي انتهت بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وحافظوا على عدم تماس التصورات الحكومية مع الشعبية ونجحوا في إقامة حواجز فنية، كانت لها مردودات سياسية وشعبية على الدوام، مكنت المسؤولين من عدم الإفراط في التطبيع.
 
عندما يمتلك المجتمع رموزا فنية قادرة على التفاعل مع الواقع والتعبير عنه، تأتي النتائج إيجابية للدولة، وإذا ضاقت مساحة الحرية ومارست الحكومات رقابة وحصرت اهتمامات الفن في قضايا ترفيهية وسطحية، فهي تفقد المجتمع أحد الذخائر الحية التي تجعله منيعا على الاختراق، فعندما يكون الفنان سياسيا يمكن توظيفه في زيادة مساعي الوعي الثقافي.
 
نعم قد يكون العمل السياسي مضرا على المدى القصير للحكومات عندما تكون رؤيتها قاصرة ومحدودة حول فهم طبيعة دور الفنان، لأنه القوة الناعمة التي يمكن من خلالها تجاوز حواجز كثيرة بسلاسة لا تتوافر للكثير من السياسيين المحترفين.
 
تعبر الحالة المصرية بجلاء عن الفنان السياسي، فقد ازدحمت الساحة به كلما كان الوعي ناضجا أو مؤمنا بأهمية العمل العام، فالزخم الذي توافر في فترات سابقة للفنانين، بالتأييد أو المعارضة، كان نتاجا لمناخ يرى أهمية قصوى في دور الفنان، ويكشف التراجع الحاصل حاليا أيضا عن لفظ الفنان السياسي، إلا إذا كان مؤيدا، ما يفقده بريقه، ويؤدي إلى عزوف الكثير من الفنانين والفنانات.
 
تحولت الأوضاع إلى تصنيف نمطي، هذا مؤيد وذاك معارض، ما أفضى إلى فرض حصار تلقائي على الثاني، ويكاد يكون صار ممنوعا من ممارسة الفن والسياسة معا.
 
أدى انخراط فنانين مصريين حالمين بالعمل السياسي النظيف خلال السنوات الماضية، وتبني مواقف مختلفة مع توجهات الدولة، إلى حرمان الكثير منهم من ممارسة حقهم في العمل الفني، كمواهب معروفة.
 
 

آخر الأخبار

قمر بن عثمان لاعبة كرة اليد بالجمعية النسائية بالحمامات ..تألق وتميز عن جدارة

قمر بن عثمان لاعبة كرة اليد بالجمعية النسائية بالحمامات ..تألق وتميز عن جدارة

التاكسي في تونس هو مرآة للفوضى الاجتماعية وأزمة في القيم

التاكسي في تونس هو مرآة للفوضى الاجتماعية وأزمة في القيم

في تونس نحن لا نبحث عن إرادة سياسية، بل في حاجة إلى إرادة وطنية بقيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

في تونس نحن لا نبحث عن إرادة سياسية، بل في حاجة إلى إرادة وطنية بقيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

مالك سعادة يلتحق بالمنتخب الوطني لأقل من 20 سنة استعداداً للتصفيات الإفريقية

مالك سعادة يلتحق بالمنتخب الوطني لأقل من 20 سنة استعداداً للتصفيات الإفريقية

رحيل صادم: البطل التونسي رامز بوعلاقي يغادر المنتخب الوطني في إسبانيا

رحيل صادم: البطل التونسي رامز بوعلاقي يغادر المنتخب الوطني في إسبانيا

Please publish modules in offcanvas position.