زواج المتعة مثال صارخ يجسد التأثير الإيراني الآخذ بالتنامي في العراق ومحاولة تشويه ثقافة البلاد عبر فتاوى دخيلة على كافة الشعب العراقي.
تداول العراقيون، الأسبوع الماضي، عبر منصات التواصل الاجتماعي، خبرا عن عراقية طلبت اللجوء إلى دولة أوروبية، ورفعت قضية إثبات نسب لابنها المولود في كربلاء، وهو ثمرة عقد زواج مؤقت أمده أسبوع مع رجل دين عراقي متنفذ ولديه ميليشيا، وعند محاولتها إثبات النسب بالـ”دي.أن.أي” (DNA) هددوها بالقتل والتصفية مما أجبرها على الهجرة إلى خارج العراق.
ويقول الخبر إن المرأة رفعت قضية ضد رجل الدين الشيعي العراقي فتبنى العديد من المحامين قضيتها، وترددت أنباء عن إصدار أوامر قبض دولية بحق المتهم.
لسنا متأكدين من صحة الخبر المتداول لكن أمثال هذا يحدث في العراق كثيرا، وباستمرار هذه الأيام، خصوصا بعد أن افتتحت “مؤسسة طريق الإيمان الإسلامية” الإيرانية (ومقرها مشهد) أول فروعها في بغداد والمحافظات العراقية، وفتحت معه الباب لمئات الزيجات المؤقتة يوميا، وسط جدل واسع حول هذه الممارسات، التي تواجه إشكاليات عدة في المجتمع العربي، وتخلف آثارا واضحة في مجتمعات شهدت حروبا.
نحن لا نتطرق إلى أمر زواج المتعة من وجهة نظر فقهية، فتلك يمكن أن يكتب عنها الفقهاء، قبولا أو رفضا، وهي مهمتهم وليست مهمتنا، لكن ينبغي أن نقف عندها من زاوية نتائجها الاجتماعية وما تنتجه من مشكلات.
فبصرف النظر عن الموقف الفقهي من “المتعة” يبدو جليا من خلال الوقائع الموثقة وما أوردته في كتابها “المتعة.. الزواج المؤقت عند الشيعة”، شهلا حائري، وهي كاتبة إيرانية الأصل، تقيم في الولايات المتحدة، وحفيدة من جهة الأب لآية الله الحائري، أحد أكبر علماء الشيعة في إيران، فإن الزواج المؤقت، الذي شاع، في السنين الأخيرة، جرى تفصيله على مقاس رجال الدين أنفسهم لإشباع نهمهم المرضي وليتحول على أيديهم إلى شركات استثمارية للتجارة والتسويق، إذ افتتح رجال الدين، ولاسيما الحزبيين منهم، مراكز ووكالات ومواقع للدعاية والإعلان واستخدموا واجهات نسائية لجذب شريحة الشباب من الإناث والذكور واستدراجهم للانخراط في خدمة التجارة السوداء.
إن واحدة من بين أكثر الجرائم الاجتماعية قبحا وبشاعة هي الولادات المجهولة، التي امتلأت بها البطون ومستشفيات الأطفال ومراكز الأيتام، وهو ما ينذر بأن المدن العراقية ستكون، في المستقبل القريب، نسخة من المدن الإيرانية، التي تعج بالأطفال اللقطاء، ثمرة هذا الزواج، حيث تحوي طهران وحدها أكثر من 25000 طفل في الشوارع، ضحايا بعض رجال الدين، فمع كل توقيع لوثيقة زواج متعة -على الطريقة الإيرانية- هناك توقيع لوثيقة تدمير حياة إنسان أو طفل بريء، مقابل مبلغ يكون مقدمة لهذه الزيجة.
يعتقد السيد موسى الموسوي، وهو حفيد المرجع الشيعي الأسبق السيد أبوالحسن الأصفهاني، في كتابه “الشيعة والتصحيح – الصراع بين الشيعة والتشيع” (ص70)، أن فكرة الزواج المؤقت استخدمت في حثّ الشيعة ولاسيما الشباب منهم على الالتفاف حول المذهب لما فيها من امتيازات وخاصة تلك التي لا تقرّها المذاهب الإسلامية الأخرى، مشيرا إلى أن الإغراء الجنسي المباح باسم الدين يستقطب الشباب وأصحاب النفوس الضعيفة في كل عصر ومصر، ولذلك فإن السيد الموسوي لا يستغرب أبدا عندما يقرأ، في كتب الروايات الشيعية، روايات تنسب إلى أئمة الشيعة في فضل المتعة وثوابها وحثّ الناس على العمل بها.
إن زواج المتعة مثال صارخ يجسد التأثير الإيراني، الآخذ بالتنامي في العراق، ومحاولة تشويه ثقافة البلاد عبر فتاوى دخيلة على كافة الشعب العراقي، ولاسيما القبائل منه، كما أنه أصبح، عبر الإعلان عنه والترغيب فيه، تجارة تقلل من شأن النساء وتحطّ من كرامتهن وتعاملهن كالجواري، وهو زنا يلبس ثوب الشريعة، التي أوجدها النهمون، ماديا وجنسيا، من رجال الدين، إذ أحيانا يدفع بعض الرجال ملايين الدنانير من أجل قضاء ليالٍ مع الفتاة أو السيدة المطلقة أو الأرملة، فيما تكون حالات زواج المتعة من الفتيات البكر قليلة جدا.
طالبت وزارة الصحة، بحسب تقرير أصدرته، البرلمان العراقي بإصدار تشريع جديد ينظم ضوابط هذا النوع من الزيجات، مبينة أن من بين كل سبع زيجات متعة يولد طفلان يكون مصيرهما مجهولا، في وقت تتزايد الأمراض المنتقلة جنسيا. وفيما يشترط الشرع موافقة والد الفتاة البكر أو جدها، لا يتمّ ذلك إن كانت تتولى شؤون نفسها، ويترك حرية الزواج للأرامل والمطلقات، لكن قيود المجتمع وعدم تقبله لهذا الزواج يترك الفتاة المقبلة عليه تعمل سرا وتتخلص من تبعاته (الأولاد مثلا).
إن رجال الدين، الذين يمارسون المتعة ويشجعون عليها لا يرتضونها لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم، ليس تنزها وترفعا عنها، كما يقول السيد موسى الموسوي في كتابه (ص70 – 71)، “بل لأنهم يرون فيها أمرا مهينا مشينا يتنافى وكرامة العائلة وشرف الأسرة وقد تسيل الدماء في بعض المناطق الشيعية إذا ما سأل المرء شيئا كهذا من فقيه هو سيد قومه وحتى في إيران حيث تكون العملية جارية في بعض مدنها، وتوجد مناطق لا يستطيع المرء أن ينبس بكلمة حول المتعة، أما في غير إيران ولاسيما في البلاد العربية، التي تقطنها الشيعة، فالحديث عن المتعة مهلك ويؤدي إلى إسالة الدماء ولست أدري تفاصيل الأمر في باكستان والهند وأفريقيا ولكن في كل هذه المناطق لا يغير الفقيه فتواه فهو يجوّزها إذا ما سئل عنها ولكنه يخضع للبيئة الاجتماعية، التي يعيش فيها، فتثور ثورته ويقيم الدنيا ويقعدها إذا ما طلب منه يد ابنته بالزواج المؤقت وهكذا نرى، بوضوح، أن المسؤولية الأولى والأخيرة في العمل بهذا الأمر المقيت تقع على عاتق، الذين أباحوا أعراض المسلمات ولكنهم أحصنوا أعراضهم، وأهدروا شرف المؤمنات ولكنهم صانوا شرف بناتهم وفي كل هذا عبرة لمن كان له قلب”.
إن الفوضى الجنسية، التي تهدد بنية المجتمع الإيراني، الذي تشكل النساء أهم دعائمه، تنتقل إلى المجتمع العراقي شيئا فشيئا، وستصبح النساء في المدن العراقية البضاعة الأكثر رواجا، كما هي، الآن، في أسواق قُم ومشهد وطهران، والأطفال هم الضحية الأكبر، وحصيلة هذا الزواج أطفال لقطاء، وبهذه الطريقة وغيرها تتسلل ولاية الفقيه إلى المجتمع العراقي
بغية تحطيمه وانتزاعه من الجسد العربي، فاعقلوا يا أولي الألباب.
د. باهرة الشيخلي
كاتبة عراقية