أخبرني الأستاذ محمد سمور، المدير التجاري لدار الطليعة ولداري للنشر، أن كتاب (رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان) تم منعه في بلد عربي تباع فيه كتبي كلها بحرية. وتحرى الأستاذ سمور عن السبب الرسمي للمنع فوجد أنه يعود إلى صفحة 47 من الكتاب، حيث بدأ غسان رسالته لي كما يلي: (عزيزتي غادة.. يلعن دينك. ما الذي حدث؟ تكتبين لكل الناس إلا لي؟ انتبهي جيدا لما تفعلين: ذلك سيزيدني تعلقا بك).
وقال الأستاذ سمور إن سبب المنع هو عبارة غسان «يلعن دينك»، وديني هو الإسلام. قلت للأستاذ سمور إن غسان لم يكن يقصد، طبعا، شتم الدين الإسلامي -أستغفر الله- وهو يعني فقط التعبير عن غضبه مني، ولن أشطب عبارته لأنني كمبدأ ضد حذف أي كلمة من رسالة أنشرها (ما رأي القارئ؟).
إلياس خوري وتعريف الشتيمة
لكل ما تقدم أعجبني حقا مقال الزميل إلياس خوري في زاوية «هواء طلق» (حزيران 2019)، حيث يقول وكأنه يقوم دونما قصد بتبرئة غسان كنفاني من تهمة شتم الدين الإسلامي: (الشتيمة مجاز. وهي لا تعني ما تقوله بشكل حرفي، إذ يجب أن نفهمها بصفتها تشير إلى ما تقوله. إنها أداة تعبيرية مدهشة في قدرتها على تلخيص الانفعالات وتجسيدها بشكل رمزي). وبالتالي، أعتقد أن منع رسائل غسان لهذا السبب ليس مبررا، فهو لم يقصد بالتأكيد شتم الدين الإسلامي الحنيف، بل التعبير عن غضبه مني.
الصحافية سليمى قميرة.. ترى أين أنت اليوم؟
يقول إلياس خوري في المقال ذاته عن اللبنانيين: (صحيح أننا متهمون بالإكثار من الشتائم، وهي عادة لبنانية تثير استغراب كثيرين من الناطقين بالعربية) وهذا صحيح.. وكسورية عشت ما يقوله في أيامي الأولى لزيارة بيروت.
وأذكر أنني كنت أقود سيارتي من دمشق إلى بيروت وذلك قبل صدور كتابي الأول (عيناك قدري) لأذهب إلى «دار الآداب» في شارع «الخندق الغميق» أو لألتقي بصحافيين لبنانيين يرغبون في محاورتي ويهتمون بما أنشره منذ بداياتي وكان ذلك يسعدني. لكنني لم أكن أعرف شوارع بيروت، ولذا كنت أتوقف أمام مبنى (دار الصياد) في الحازمية، وكان مقابلها، في ذلك الزمان، متسع ترابي كبير، وألتقي هناك بمن يرغب في محاورتي ليقودني إلى مقر مجلته.
وهكذا حين اتصل بي في دمشق صاحب جريدة (كل شيء) الأستاذ الفاضل بديع سربيه – (رحمه الله) لحوار معي حين أزور بيروت أرسل لي صحافية تعمل في الدار اسمها سليمى قميرة، لتأتي وتصطحبني، وهكذا جاءت سليمى (إلى حيث أوقفت سيارتي) مقابل (دار الصياد).
ذكريات: تلك الشتائم.. لم آلفها!
وكم صح قول إلياس خوري حين كتب حول الشتائم كعادة لبنانية، إذ كانت سليمى قميرة التي تقود سيارتها الصغيرة تشتم هذا وذاك من السائقين الذين قد يضايقونها بسياراتهم.. وذهلت لذلك.. وأخيرا وصلت مع سليمى قميرة بعد (رحلة) بالسيارة شعرت أنها دامت طويلا، فقد شتمت كثيرا وشعرت بالإحراج.
غسان كنفاني لم يقصد شتم الإسلام
ذكرت ما تقدم كتذكير للرقابات بأن غسان كنفاني لم يقصد بالتأكيد شتم ديني –ديننا معا- بل إبداء غضبه مني، ثم إن غسان عاش طويلا في لبنان وصار أحيانا يتفوه بشتائم لا يعني بالتأكيد معناها الحرفي كما ذكر الروائي إلياس خوري.
فهل سيتم رفع المنع عن كتاب رسائل غسان بعد مرافعتي السابقة كلها كأي محام محترف؟
تلك الفتاوى المؤذية للدين الحنيف
ها هو واعظ في مصر يفتي بأن المسلم لا يعدم إذا قتل مسيحيا (قبطيا).. لأن دم المسلم أعلى شأنا من دم غيره، وبالتالي لا يعاقب بالإعدام! والتطرف الديني يطال اليهود أيضا. وحاخام صهيوني يحظر النظر إلى ورقة نقدية إسرائيلية تحمل صورة شاعر يهودي هو شاؤول تشرنيخوفسكي؛ لأنه متزوج من مسيحية وفي ذلك هدم لدولة صهيون!
أما مرجع شيعي كبير فقد حرم لمس الممرضة للرجال الأجانب حتى ولو كانوا من المسلمين.. أي من الممنوع على الممرضة جس النبض وقياس ضغط الدم وتضميد الجرح.. إلا بقفاز! ولا أدري كيف يستطيع أحد إحصاء نبضي دون أن يلمس بإصبعه شرياني!!
ثم إنه صار على المرء وفقا لفتوى، الوضوء قبل لمس العملة العراقية الحالية من فئة 1000 دينار لأنها تحمل بالخط الكوفي بعضا من عبارة دينية إسلامية، كما قرأت (الوضوء في البنك مثلا؟) ومن الأفضل في نظري عدم طبع شعارات إسلامية على العملة المالية.
ردة الفعل الغربية الساخرة
هذا الغلو يوذي سمعة ديننا الإسلامي.. وتأتي ردة الفعل على كلام لا عقلاني كهذا بصورة اعتداءات في الغرب على اتباع الديانة الإسلامية (الإسلاموفوبيا).
حظر القرآن والمساجد في هولندا؟
ثمة نائب هولندي ينادي بمنع المساجد والقرآن هناك. وهذا بالتأكيد ردة فعل على التطرف المتأسلم اللاعقلاني لبعض الإرهابيين المتأسلمين، وهكذا تقع (جرائم كراهية) ضد المسلمين بإطلاق النار على الخارجين من صلاة الجمعة مثلا أو الرغبة في منع «أذان الصبح» أو في اجتياح سيارة على الرصيف لدهس الخارجين من مسجد كما حدث في لندن قبل عام.
من طرفي أنادي بالاعتدال من الأطراف كلها دونما غلو في منع كتاب لم يقصد كنفاني شتم الإسلام فيه، بل شتم تقصيري في الكتابه إليه.