القسط الشهري الذي يدفع للحضانة لا يمثل جودة الخدمات المقدمة للأطفال.
اختيار دار الحضانة المناسبة للطفل أصبح هاجسا، ومدعاة للقلق لدى الكثير من الأسر المغربية، التي يعمل فيها الأب والأم لساعات طويلة خارج البيت، نظرا لأهمية هذه المرحلة التي يبتعد فيها الطفل لأول مرة عن حضن الأسرة، وحساسيتها بالنسبة إلى نموه الفكري والسلوكي والجسدي.
لا يحتاج منح رخصة لإنشاء حضانة أطفال تنفيذ الكثير من الشروط الصعبة في المغرب، لذلك توجد الكثير منها في العاصمة المغربية الرباط، في الأماكن الشعبية، كالنهضة والتقدم وحسان، أو في المناطق الراقية، كحي الرياض وأكدال والسويسي والسفارات. ويؤرق اختيار حضانة تلم بالمواصفات المناسبة التي تعنى بصحة وسلامة الطفل أغلب العائلات، نظرا إلى أن الكثير من حضانات الأطفال سواء منها الراقية، والتي تتطلب الكثير من الأموال، أو الشعبية لا تعتبر مكانا آمنا لطفل يمضي ساعات طوال داخل هذا الفضاء في غياب كلي للأسرة.
وقال هشام معروف رئيس جمعية فضاء الحياة للطفولة والإدماج الاجتماعي بالرباط لـ”العرب”، “القسط الشهري الذي يدفع لدار الحضانة مهما كان كبيرا أو صغيرا، فهو لا يمثل جودة الخدمات المقدمة للأطفال. ولذلك من واجب الأم متابعة طفلها في الحضانة في أوقات مختلفة من اليوم لمعرفة ما تقدمه الحضانة له من خدمات”.
وأضاف معروف “يبقى عمل الحضانة من ضمن الأعمال الإنسانية والاجتماعية المقدمة للمجتمع من خلال خدمة الطفل وإدماجه اجتماعيا مع غيره من الأطفال. وتوفير الفرصة للأم والأب لتأدية دورهما في خدمة المجتمع من خلال عملهما”. وتابع موضحا “كذلك تقوم الحضانة بتشجيع الأطفال على القيام بأنشطة بيداغوجية، لتمكينهم من اكتشاف الألوان والرسم والتعامل مع غيرهم من الأطفال بأسلوب مهذب أثناء اللعب، والاستماع إلى القصص التربوية، التي تقرأها لهم المربية داخل الدار”.
ومن جانبها قالت سناء اللوشكي مسيّرة حضانة النادي النسائي وروضة الأطفال بالنهضة لـ”العرب”، “تحدد لائحة شروط منح إجازة دار الحضانة، تقديم طلب الإنشاء إلى مصالح الرياضة والشباب (جهة حكومية) بالإضافة إلى تقديم ما يثبت أن المؤسس يحمل شهادة جامعية أو ما يعادلها. وتقديم شهادة حسن سلوك، ووثيقة خدمة تربوية لا تقل عن سنة، وتشغيل مربيتين حائزتين على الشروط التربوية والصحية على الأقل، مع كشف السلامة الجنائية”.
وتابعت اللوشكي “كما أن شرط امتلاك بناية الحضانة أو عقد إيجارها، يعتبر شرطا أساسيا لمنح الإجازة، ولها مواصفات محددة كأن تكون المساحة المتوفرة لكل طفل بعمر 18 شهرا 4 أمتار مربعة، وأن يكون المبنى صحيا، ويقع في الطابق السفلي. بالإضافة إلى توفير ألعاب للأطفال، ومسبح جماعي، وصيدلية، وأجهزة إطفاء حرائق، والتزام طبيب أطفال بالإشراف على صحة الأطفال بشكل دوري”.
وضع الطفل بحضانة تساهم في تطوير قابليته الاجتماعية والنفسية، وأن لا تكون الحضانة مجرد مأوى للطفل لعدة ساعات
وقالت ليلى، وهي أم لطفلة عمرها 3 سنوات وبضعة شهور “كانت والدتي ترعى طفلتي حين أتوجه إلى العمل، وكنت لا أشعر بأي قلق على ابنتي مع أمي، أما اليوم وبعد وفاة أمي، وأنا أرسلها كل صباح إلى الحضانة القريبة من سكننا في الحي الصناعي أشعر بالقلق، وحالما أتركها هناك وأمضي إلى عملي يبدأ القلق يساورني عليها”.
وأضافت “في بعض الأحيان أجد فرصة للاتصال بالمربية التي ترعى طفلتي لأعرف منها أحوالها وهل تناولت طعامها؟ وهل صحتها جيدة؟ خصوصا إذا تركتها وحرارتها مرتفعة، ويزداد قلقي كثيرا حين لا ترد المربية لسبب ما”. ونصحتها بعد ذلك زميلة لها في المشغل، أن تعطي المربية بين الحين والآخر بعض المال، لكي ترعى طفلتها جيدا وتجيب على هاتفها حين تحاول الاستفسار عن ابنتها. وأوضحت ليلى لزميلتها أنها غير معتادة على دفع الرشوة لأحد حتى وإن كان ذلك في سبيل حماية ابنتها.
أما خديجة (23 سنة) تعمل في أحد مشاغل الملابس التقليدية، فقد تزوجت قبل سنوات قليلة من زميل لها، لترزق بوحيدتها ياسمين. بعد إجازة الأمومة القصيرة، صارت مسألة إيواء الطفلة أثناء ساعات عملها مشكلة حقيقة.
وصرحت، أن ما تدفعه لدار الحضانة من مبلغ شهري مقداره 1100 درهم (الدولار يساوي 4.8 دراهم) هو مبلغ كبير مقارنة بميزانية عائلتها، لكنها مضطرة، فإما أن تترك العمل أو تضحي وزوجها بجزء من راتبيهما للحضانة، كما أنها قدمت في بداية انخراط ابنتها بالحضانة مبلغ التأمينات 1500 درهم. وأضافت خديجة “في النهاية اضطررت إلى أن أدفع 200 درهم بين الحين والآخر، للمربيتين من أجل الاعتناء بياسمين جيدا”.
وأكد الدكتور عبدالكريم عطا محلل ومعالج نفسي على أهمية اختيار الأم للحضانة المناسبة لعمر الطفل، وتفضيل الحضانة التي يوجد فيها أطفال من عمر طفلها.
وأوضح عطا قائلا “القسم الذي يضم الطفل يجب أن لا تكون أعمار الأطفال فيه متفاوتة. فلا يُحشر الطفل بعمر سنتين مع طفل أخر يكبره بسنة أو أكثر. لئلا يخلق هذا شعوراً لدى الصغير بالدونيّة، وعدم القدرة على مجاراة الأكبر سناً في النطق، وتركيب الجمل، مما يخلق لدى الصغير شخصية انعزالية، خجولة وسلبية غير مشاركة”.
واعتبر أنه من الضروري وضع الطفل بحضانة تساهم في تطوير قابليته الاجتماعية والنفسية، وأن لا تكون الحضانة مجرد مأوى للطفل لعدة ساعات.
وأكد موضحا “من التوصيات المهمة التي أوجّهها للأمهات اللاتي لديهن أطفال، وينوين وضعهم في الحضانة ألّا يضعن الطفل في الحضانة إلا بعد أن يبلغ عمره 3 سنوات. وبعد أن يتم خلال السنوات الثلاث تكوين شخصيته نفسياً واجتماعياً، برعاية أمه، يمكن عندها وضعه في الحضانة بعد هذه السن، ولمدة تتراوح بين 4 و5 ساعات وليس لكل ساعات النهار”.
وأضاف عطا “على الأم الحرص على ألّا تترك طفلها في اليوم الأول وخلال أسبوعه الأول بالحضانة من دون تمهيد، لكي لا يصاب بصدمة نفسية. ويجب أن تكون بصحبته طول النهار الأول، وخلال الأيام التالية، لتتعرف أيضا على ما يقدم للأطفال الباقين خلال وجودهم في الحضانة من خدمات. وتشاهد تعامل المربيات مع الأطفال لتقيم إن كانت الحضانة التي اختارتها لطفلها مناسبة أو غير مناسبة”.
وشدد على ضرورة “أن تستمر الأم في هذه المصاحبة لبقية الأسبوع حتى يألف الطفل المربيات، والأطفال من حوله، ويتقبل الوضع الجديد، منبها إلى أنه من الضروري أن لا تتأخر الأم على طفلها عند انتهاء وقت الحضانة، لأن ذلك سيجعله يشعر بالنَّبذ، فيولد لديه عقدا كثيرة منها ما يسمى بـ”قلق الانفصال عن الأم” خصوصا إذا شاهد بقية الأمهات يهرعن لاصطحاب أطفالهن، ويبقى هو منتظرا أمه.