جرائم تتعرض لها النساء في العديد من دول العالم تثير موجة تنديد غير مسبوقة ومطالبات بوقف العنف المتزايد والقائم ضدهن.
تظن النساء اللواتي يتم إنقاذهن من أذى أزوجهن أنهن سيتمكن من العيش بسلام بعد إدخال شركائهن السجن أو ابتعادهن وبالأحرى اختفائهن، إلا أن هؤلاء الأزواج يعودون إلى مضايقتهن بمجرد خروجهم أو إيجاد أماكنهن، حيث ثبت أن الانفصال عن الزوج لا يخلّص النساء من الأذى وذلك في كافة دول العالم.
باريس- تغيّرت ملامح وجه سارة المرأة الثلاثينية التي تفضّل عدم الكشف عن اسمها الأصلي فجأة، بعدما نظرت إلى شاشة هاتفها وقالت متنهدة “إنه هو مجددا”، وتعني بذلك شريك حياتها السابق الذي كان يضربها على مدى سنوات ركلا ولكما لدى عودته إلى المنزل مساء، إلى أن اتصلت بالشرطة ذات يوم “بعدما عنّفها عند الساعة العاشرة صباحا”، وفق تصريحها خلال مقابلة أجرتها معها وكالة فرانس برس في شقتها في منطقة باريس في نوفمبر.
وبعد 5 سنوات على ذلك، لا تزال عاجزة عن طيّ الصفحة، فهي تتشارك معه حضانة نجلهما، وهو يحاول جاهدا منعها عن مواصلة حياتها الطبيعية.
وتوضح “قد يرسل إليّ أحيانا مئة رسالة في اليوم”. وتتهمه بأنه خلال السنة الحالية تسبب في خسارتها وظيفتها، “فقد كان يأتي لمضايقتي في مكان عملي فاضطررت إلى المغادرة” فيما “هدد صديقي الجديد الذي فضّل أن يهجرني”.
كما التقت وكالة فرانس برس في نوفمبر الحالي، أدلين البالغة 32 عاما، التي أصيبت في ديسمبر 2017، بنزيف داخلي بعد أن انهال عليها زوجها بالضرب وهو سائق سيارة أجرة اعتاد تعنيفها منذ سنوات فتولت جارة لها نقلها إلى المستشفى حيث مكثت شهرا تقريبا نصفه في قسم الإنعاش. وأكد لها أحد الأطباء أنها عادت إلى الحياة من جديد، موضحا “عند وصولك إلى المستشفى كان أمامك ثلاث ساعات للعيش فقط”.
وقد حكم على زوج أدلين بالسجن سنتين مع التنفيذ. إلا أنه لم يندم حتى خلال سجنه فكان يوجه إليها رسائل تهديد وعندما أبلغت بنبأ الإفراج عنه في يوليو، فقدت أدلين “أربعة كيلوغرامات في غضون أسبوع” جراء القلق.
وبعد أسابيع قليلة، أصيبت بصدمة جديدة عندما تلقت رسالة من قاضي الشؤون العائلية موجهة إليها وزوجها السابق بشأن متابعة طفليهما اللذين حصلت على حضانتهما. فقد حملت الرسالة عنوانها الراهن ما يعني أن زوجها بات يعرف مكان إقامتها. وباشرت إجراءات الانتقال إلى مكان آخر على الفور مؤكدة “لا بل إنني أهرب”.
وتشبه قصة لورا راب البالغة 31 عاما قصة سارة وأدلين، ففي أبريل 2013 أغرمت بزميل لها في شركة عقارات، لكن تبين سريعا أنه “مستأثر ومهيمن وعنيف”. وهي لم تجرؤ على الاتصال بالشرطة والتبليغ عنه حتى عندما ضربها “وهي حامل”. إلا أن العنف بلغ ذروته في أبريل 2018 عندما غضب إثر توجيه لورا ملاحظة إليه أمام زملاء لهما. فما إن عادا إلى الشقة انقض عليها على ما تروي وقال لها “سأقتلك وراح يخنقني”. وفيما راحت تشعر بأن روحها تغادر جسمها، توقف عن فعلته بعدما دق جار لهما على الباب بسبب الضجة. فتمكنت لورا من الإفلات من قبضته والخروج وهي تختنق وتتقيأ. وقد وجهت إلى شريكها السابق تهمة محاولة القتل وأودع السجن.
وقد أفرج عنه في فبراير الماضي. لكن في أبريل، وجدت نفسها وجها لوجه معه فيما كان ينبغي عليه أن يبقى في مقاطعة أخرى في إطار المراقبة القضائية. وتقول “أصبت بالذعر وقلت في قرارة نفسي إنني سأموت”.
وأمام انسداد الأفق، وجهت نداء في 14 مايو عبر “تويتر” ناشرة صورة لعنقها مع آثار العنف. وكتبت في تغريدتها “الرجاء مساعدتي فالقضاء أدار لي ظهره وأفرج عن جلاد”.
وقد تناقلت جمعيات تُعنى بمساعدة النساء النداء ما أحدث ضجة. وبعد أسبوع على ذلك، أدخل الرجل إلى السجن مجددا. وتشدد محاميتها ناتالي تومازيني “أمام صمت القضاء أحسنت بإقدامها على هذه الخطوة لأن الأمور تحركت بعد ذلك”. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة شريكها السابق بتهمة محاولة القتل في مطلع ديسمبر القادم.
أما سارة فلا تزال تتلقى بانتظام رسائل تهديد. ويأتي شريكها السابق أحيانا ليلا ليطرق بعنف على باب شقتها. وهي تتمنى أن يخضع للعلاج لكنها لا تقترح ذلك حتى لا تغضبه وينتقم بعد ذلك من نجلهما. وهي تسعى إلى أن تكون إيجابية وتقول إنها أكثر سعادة من قبل.
وعندما تقتل امرأة في المقاطعة حيث تقيم، يتصل المقربون من سارة بها للتأكد.. من أنها ليست الضحية.
وفي شهر أكتوبر الماضي اهتزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا وتونس، على صور مقتل التونسية سناء (31) من قبل زوجها التونسي والحامل للجنسية الألمانية بصورة مريعة، عندما دهسها بالسيارة ثم انهال عليها بالضرب إلى أن هشم رأسها مستخدما أداة حادة.
وكان الزوجان في حالة خلاف ويعيشان بشكل منفصل بعد أن لجأت الزوجة مع ابنيها إلى مركز رعاية للنساء في ألمانيا للاحتماء من عنف الزوج.
العنف ضد النساء من أبرز انتهاكات حقوق الانسان انتشارا وتدميرا في العالم
وقال شقيق الضحية إن شقيقته كانت على اتصال دائم مع عائلتها لكنها كانت تخفي تفاصيل تعنيفها من قبل زوجها عنهم، في حين كانت تسر إلى زوجة شقيقها التي كانت قريبة منها، باعتداءاته المتكررة عليها وعلى أطفالها، وتهديده لها بالقتل. وأوضح أن شقيقة الزوج زارت أخته في مركز الرعاية في محاولة لرأب الصدع بين الزوجين، مع أنه يفترض أن يكون عنوانها سرا.
ولفت شقيق الضحية إلى أن أخته تقدّمت بشكاوي للمركز الذي تقيم فيه بعد معرفة مكانها، وللشرطة بعد أن شعرت أنها مراقبة كلما غادرت المركز، لكن أحدا منهما لم يتحرك ولم يتم تغيير مكان إقامتها حرصا على سلامتها، متهما السلطات بالتقصير في حمايتها.
وفي فرنسا تظاهر الآلاف السبت للمطالبة بوقف العنف القائم على التمييز على أساس الجنس والعنف الجنسي وجرائم قتل النساء التي يثير عددها المتزايد موجة تنديد عارمة غير مسبوقة في البلاد. ومنذ مطلع 2019، قتلت على الأقل 116 امرأة من قبل شريكها أو شريك سابق لها، وفق تعداد ودراسة لكل حالة على حدة أجرتها الوكالة الفرنسية. وخلال عام 2018، بلغ عدد ضحايا العنف الأسري 121 امرأةً، وفق وزارة الداخلية.
وفي إيطاليا، تظاهر عشرات الآلاف في روما تنديداً بالعنف ضد النساء تلبية لدعوة وجهتها منظمة نسائية. وجال الحشد الذي ضم غالبية نسوية، في وسط العاصمة خلف لافتة كُتب عليها “ضد عنفكم، نحن الثورة”.
وأحيت الأمم المتحدة الاثنين اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة. وكتبت المنظمة على موقعها الإلكتروني إن “العنف ضد النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في عالمنا اليوم”. فيما نوّهت أن معظم هذه الانتهاكات لا تزال دون عقاب، لأن الضحايا “لا يبلّغن بما وقع لهن خشية من وصمة العار والفضيحة”.
وأدرجت الأمم المتحدة في قائمتها عدة أشكال من العنف الممارس ضد النساء. أبرزها عنف الزوج والذي يتمثّل في الضرب والإساءة النفسية والاغتصاب الزوجي وقتل النساء.