هذه الحكاية من بغداد سَجّلها الباحث الإسلامي الفلسطيني بسّام جرّار في كتابه: "زوال إسرائيل 2022.. نبوءة قرآنية أم صدف رقمية؟".
عندما أُعلن عن قيام دولة "إسرائيل" عام 1948م، دخلت عجوز يهودية على أم محمد الراشد، وهي تبكي، فلمّا سألْتها عن سبب بكائها وقد فرح اليهود، قالت: إنَّ قيام هذه الدولة سيكون سبباً في ذبح اليهود، ثم يقول الراشد إنَّه سمعها تقول: إنَّ هذه الدولة ستدوم 76 سنة.
هذه الحكاية من بغداد سَجّلها الباحث الإسلامي الفلسطيني بسّام جرّار في كتابه (زوال إسرائيل 2022.. نبوءة قرآنية أم صدف رقمية؟) المنشور مطلع تسعينيات القرن العشرين، نقلاً عن محاضرة مكتوبة للكاتب العراقي محمد أحمد الراشد بعنوان (النظام العالمي الجديد)، فاستنتج الباحث أنَّ الـ76 سنة المذكورة بالتقويم القمري المُستخدم عند اليهود، هي التي توافق 1443 بالتقويم الهجري و2022 بالتقويم الميلادي، وهذه الحكاية هي بداية قصة الكتاب والنبوءة.
وبناءً على الكتاب والنبوءة الموجودة فيه، ومضمونها زوال "إسرائيل" عام 2022م، آمن بالنبوءة عددٌ كبير من الناس، وبشّروا بها كأنها وعد إلهيّ قطعيّ الثبوت والدلالة، لا مجرّد حساباتٍ رياضيةٍ ظنية الثبوت والدلالة، وتأويلٍ رقميٍّ تخمينيٍّ لآيات القرآن الكريم، في خلط واضح بين النبوءة بمفهومها النبوي أو القرآني ومفهومها البشري؛ فالنبوءة النبوية والقرآنية هي المنقولة من الله تعالى عن طريق الوحي للنبي – صلى الله عليه وسلم – والموجودة في النص النبوي أو القرآني، وتكون يقينية الثبوت والدلالة، مثل نبوءة انتصار الروم على الفرس في بضع سنين ونبوءة فتح مكة. أمّا النبوءة البشرية فتعني الإخبار عن الغيب الموجود في المستقبل قبل وقته تخميناً وتكهّناً، مثل نبوءة الباحث بزوال "إسرائيل" عام 2022م، وتحقيق وعد الآخرة المذكور في سورة بني إسرائيل، والموثّقة في كتابه (زوال إسرائيل 2022.. نبوءة قرآنية أم صدف رقمية؟).
الفصل الأول من الكتاب موضوعه تفسير النبوءة القرآنية في سورة الإسراء، المتعلقة بزوال "إسرائيل"، والمعروفة بـ(وعد الآخرة) في آيتين هما: "فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرةِ لِيَسُوؤواْ وُجُوهَكُمْ"، و"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً"، والكتاب يستنتج أنَّ الإفساد والعلوّ الإسرائيليَّين الأوّلين قد وقعا قبل الإسلام بعد عهدَي داوود وسليمان – عليهما السلام – وأنَّ الإفساد والعلو الإسرائيليّين الآخَرين قد بدآ بقيام دولة "إسرائيل" عام 1948م، وأننا على مشارف مرحلة وعد الآخرة بتدمير الإفساد والعلوّ الإسرائيليّين، ممثلاً في إزالة دولة اليهود الصهاينة. وهذه الرؤية العقلانية المُلتزمة بضوابط التفسير القرآني، كان أول مجتهد فيها العالم الأزهري عبد المعز عبد الستار في ستينيات القرن العشرين، وسجّلها الدكتور محمد سيد طنطاوي في كتابه (بنو إسرائيل في القرآن والسنّة).
الفصل الثاني من الكتاب موضوعه التأويل الرقمي لتأكيد مصداقية النبوءة القرآنية، وتحديد موعد تحقيق النبوءة، وكانت البداية بنبوءة العجوز اليهودية حول زوال "إسرائيل" بعد 76 عاماً، ثم الاطلاع على ما كتبه الكيميائي المصري الأميركي رشاد خليفة حول اكتشافه المُسمّى المُعجزة الحسابية في القرآن، المبنية على الرقم (19)، فكانت بداية الإشكالية من الرقمين (76 – 19)، فكتب الباحث دراستين حول إعجاز الرقم (19)، اكتشف خلالهما أنَّ الرقم (19) هو الأساس لمعادلة تاريخية تتعلّق بتاريخ اليهود وزوال دولتهم، فكتب دراسة ثالثة وتوّقع من خلال حسابات رقمية ورياضيات عددية، مستقاة من آيات سورة الإسراء، أنَّ زوال "إسرائيل" عام 1443هـ الموافق لعام 2022م، باستخدام منهج تحويل الأحرف إلى أرقام وفق نظام الجمل التاريخي القديم بترتيب (أبجد هوز) الرقمي.
منهج التأويل الرقمي والتفسير العددي للقرآن الكريم، الذي بُنيت عليها نبوءة زوال "إسرائيل" عام 2022م، منهج يشوبه الكثير من اللغط والإرباك، ويؤدّي إلى نتائج: ظنية دائماً، وأخطاء كثيرة غالباً، ومتناقضة أحياناً؛ ذلك أنَّ هذا المنهج لا يخضع لمعايير علمية مُحدّدة أو ضوابط بحثية مُعيّنة، ويستخدم بطريقة انتقائية موجّهة بإرادة الباحث، وقد يبدأ باكتشاف بعض المصادفات العددية فتحوّل إلى معجزات وهمية، وربما تبدأ بالنتيجة ثم يؤتى لها بالمقدمات المتكلّفة لإثباتها، ومنها ما يحاول الباحث الربط بين الحروف والكلمات والجمل، وبين الأرقام والأعداد، بطريقة اجتهادية ظنية، يصل بعضها إلى نوع من الشعوذة الحسابية والخدع الرياضية. واستخدام هذا المنهج في عملية استشراف المستقبل والتنبّؤ بأحداث الغيب أكثر خللاً وإشكالاً، ولا سيما إذا كان هذا الاستشراف والتنبّؤ يتعلّقان بقضية مركزية كُبرى كفلسطين، وبالذات تحديد زمن وعد الآخرة وزوال كيان العلو والإفساد الإسرائيلي.
هذا المنهج المغلوط مُخالف للمنهج القرآني في استشراف المستقبل وتحديد زمن أحداثه الكُبرى، كتحرير فلسطين. فأحداث التاريخ في أي زمن مرتبطة بالسُنن والقوانين التي تحكم مسار التاريخ والحضارات المستنبطة من القرآن والسُنّة، وهي سُنن لا تُحابي أو تُجافي أحداً، وقوانين لا تتبدّل أو تتحوّل بالأماني، "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا"، وهذا المنهج ينطبق على وعد الآخرة المرتبط بجدلية حضارية يتم فيها التدافع بتبادل الصعود والهبوط بين الأمة الإسلامية ورسالتها العالمية، ومشروع الشرّ الغربي الصهيوني، وسيكون بذلك وعد الآخرة نقطة تحوّل تاريخية يرث فيها المستضعفون التمكين في الأرض بعد أنْ يدفعوا المُستكبرين إلى هامش التاريخ.
بهذا المنهج القرآني الذي يُعلي من قيمة الإنسان، مؤكداً دوره في تحقيق وعد الآخرة، لسنا بحاجة إلى التأويل الرقمي أو التفسير العددي لتأكيد مصداقية وعد الآخرة، أو لتحديد زمن زوال "إسرائيل"؛ بل إنَّ ذلك التأكيد والتحديد يؤدّيان بكثير من الناس إلى الانتظار على رصيف الأحلام الوردية، وإلى البيات الشتوي داخل نفق هامش التاريخ، وقد يؤدّيان بهم إلى فقدان الإيمان بتحقيق وعد الآخرة إذا مرَّ تاريخه المُحدّد بالنبوءة الرقمية من دون تحقيقه.
وما نحن بحاجة إليه أكثر كشعب فلسطيني وأمة عربية وإسلامية هو الإيمان والوعي؛ إيمان بوعد الآخرة يضع عجلات الفعل البشري للشعب والأمة على مسار قضبان القدر الإلهي السائر نحو وعد الآخرة، ووعي بوعد الآخرة يؤدي إلى إخراج القدر الإلهي من عالم الغيب كوجود بالقوة، إلى القدر الإلهي في عالم الشهادة كوجود بالفعل، ولا يهم بعد ذلك زمن زوال "إسرائيل". فزوالها حتمية قرآنية بمنطق وعد الآخرة، سيحققه الله تعالى على يد من يمتلك الإيمان والوعي والقوة من الأمة الإسلامية بنص القرآن الكريم "عِبَاداً لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ".
وليد القططي
كاتب ومحاضر في جامعة الإسراء - فلسطين