فضل ليلة القدر
وفي فضل ليلة القدر فإن ألف شهر تساوي ثلاثًا و ثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف.
وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر.
وفي السنة جاءت أحاديث جمة في فضل ليلة القدر، والتماسها في العشر الأواخر ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”
وبحكم فضل ليلة القدر، يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيحرم المسلم من خيرها وثوابها، فيقول لأصحابه، وقد أظلهم شهر رمضان: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم".
ليلة القدر هي ليلة ذات قدر أنزل فيها القرآن:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
وقوله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
والواضح من جملة الأحاديث الواردة أنها في العشر الأواخر، لما صح عن عائشة قالت: كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول:
تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال:
إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها – أو نسيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر.
وإذا كان دخول رمضان يختلف – كما نشاهد اليوم – من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.
ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان، فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر.
ورأي أبي بن كعب وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وكان أُبَىّ يحلف على ذلك لعلامات رآها، واشتهر ذلك لدى جمهور المسلمين، حتى غدا يحتفل بهذه الليلة احتفالاً رسميًا.
والصحيح: أن لا يقين في ذلك، وقد تعددت الأقوال في تحديدها حتى بلغ بها الحافظ ابن حجر 46 قولاً. وبعضها يمكن رَدُّه إلى بعض. وأرجحها كلها: أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، وعند الجمهور ليلة سبع وعشرين.